للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَاهِرٌ، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْله تَعَالَى: {فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: ٦٣] ثُمَّ التَّرْتِيبُ إمَّا فِي الزَّمَانِ نَحْوُ {خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} [الانفطار: ٧] وَلِهَذَا كَثُرَ كَوْنُ تَابِعِهَا مُسَبَّبًا، نَحْوُ ضَرَبْته فَهَلَكَ، أَوْ فِي الذِّكْرِ، وَهُوَ عَطْفُ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ هُوَ، نَحْوُ {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ} [هود: ٤٥] أَوْ مُتَأَخِّرٌ عَمَّا قَبْلَهُ فِي الْإِخْبَارِ نَحْوُ: بِسَقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّهَا تَأْتِي لِغَيْرِ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا مَعَ مَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ عَجِيبٌ، وَهُوَ يُوقِعُ خَلَلًا فِي ذَلِكَ النَّقْلِ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ هَذَا فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} [النجم: ٨] الْمَعْنَى ثُمَّ تَدَلَّى فَدَنَا، وَلَكِنَّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَ الْمَعْنَى فِي الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا، أَوْ كَالْوَاحِدِ قَدَّمْت أَيَّهُمَا شِئْت فَقُلْت: دَنَا فَقَرُبَ أَوْ قَرُبَ فَدَنَا، وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ، أَوْ أَسَاءَ فَشَتَمَنِي؛ لِأَنَّ الشَّتْمَ وَالْإِسَاءَةَ وَاحِدٌ. وَنُوقِشَ بِأَنَّ الْقَلْبَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مُسَبَّبًا وَسَبَبًا مِنْ وَجْهَيْنِ، فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ حَاصِلًا قَدَّمْت أَوْ أَخَّرْت، فَقَوْلُكَ: دَنَا فَقَرُبَ. الدُّنُوُّ عِلَّةُ الْقُرْبِ، وَالْقُرْبُ غَايَتُهُ. فَإِذَا قُلْت: دَنَا فَقَرُبَ، فَمَعْنَاهُ لَمَّا دَنَا حَصَلَ الْقُرْبُ، وَإِذَا عَكَسْت فَقُلْت: قَرُبَ فَدَنَا، فَمَعْنَاهُ قَرُبَ فَلَزِمَ مِنْهُ الدُّنُوُّ، وَلَا يَصِحُّ فِي قَوْلِك: ضَرَبْته فَبَكَى؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لَيْسَ غَايَتَهُ الْبُكَاءُ بَلْ الْأَدَبُ، أَوْ شَيْءٌ آخَرُ، وَكَذَلِكَ أَعْطَيْته فَشَنَّعَا. وَقَالَ الْجَرْمِيُّ: لَا تُفِيدُ الْفَاءُ التَّرْتِيبَ فِي الْبِقَاعِ وَلَا فِي الْأَمْطَارِ بِدَلِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>