قَوْلِهِ: بَيْنَ الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: نَصَّ الْفَارِسِيُّ فِي " الْإِيضَاحِ " عَلَى أَنَّ " ثُمَّ " أَشَدُّ تَرَاخِيًا مِنْ الْفَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ لَهَا تَرَاخٍ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ إلَّا الْمُتَأَخِّرُونَ. قُلْت: وَهِيَ عِبَارَةُ أَبِي بَكْرِ بْنِ السَّرَّاجِ فِي أُصُولِهِ "، فَقَالَ: وَ " ثُمَّ " مِثْلُ الْفَاءِ إلَّا أَنَّهَا أَشَدُّ تَرَاخِيًا، وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ: ظَاهِرُهُ أَنَّ فِي الْفَاءِ تَرَاخِيًا جَمًّا؛ لِأَنَّ أَشَدَّ " أَفْضَلُ لِلتَّفْضِيلِ " وَلَا يَقَعُ التَّفْضِيلُ إلَّا بَيْنَ مُشْتَرِكَيْنِ فِي مَعْنًى، ثُمَّ يَزِيدُ الْمُفَضَّلُ عَلَى الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَلَا تَرَاخِيَ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْفَاءُ فِيمَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ عَدَّ تَعْقِيبَ الْفَاءِ وَتَرْتِيبَهَا تَرَاخِيًا فَذَلِكَ تَسَاهُلٌ فِي الْعِبَارَةِ وَتَسَامُحٌ. ثُمَّ شَرَعَ فِي تَأْوِيلِ عِبَارَةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّ " أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ " قَدْ لَا يُرَادُ بِهِ ظَاهِرُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: ٢٤] وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي مُسْتَقَرِّ أَهْلِ النَّارِ. قُلْت: وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا فَقَدْ صَرَّحَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، فَقَالَ فِي الْفَاءِ: إنَّ أَصْلَهَا الْإِتْبَاعُ، وَلِذَلِكَ لَا تَعْرَى عَنْهُ مَعَ تَعَرِّيهَا عَنْ الْعَطْفِ فِي جَوَازِ الشَّرْطِ، وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّرَاخِي الْيَسِيرُ. اهـ.
وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى التَّرَاخِي فِيهَا وَإِنْ لَطُفَ فَإِنَّ مِنْ ضَرُورَةِ التَّعْقِيبِ تَرَاخِي الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ بِزَمَانٍ وَإِنْ قَلَّ بِحَيْثُ لَا يُدْرَكُ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُقَارَنًا، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لَهُ، وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت تَفْسِيرَنَا التَّعْقِيبَ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ زَالَ الْإِشْكَالُ. وَقَدْ جَوَّزُوا " دَخَلْت الْبَصْرَةَ فَالْكُوفَةَ "، وَبَيْنَ الدُّخُولَيْنِ تَرَاخٍ وَمُهْلَةٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى: ٤] {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} [الأعلى: ٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute