للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيُعْرَفُ اللَّهُ تَعَالَى بِآثَارِهِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت: ٥٣] . وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُعْرَفُ بِحَسَبِ ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ؟ . فَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيَّ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يُعْرَفُ، وَنُسِبَ إلَى الْأَشْعَرِيِّ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَيُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَالثَّالِثُ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي، وَالثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُسَلِّمُ قُوَّةَ مَعْرِفَةِ الْمُشَاهَدَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الذَّاتِ مُطْلَقًا بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ: وَهُوَ أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ فِي حَقِّ عَارِفٍ لِلذَّاتِ أَقْوَى مِنْهَا فِي مَعْرِفَتِهَا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الذَّاتَ. قِيلَ: وَهَذَا لَا مَحِيصَ عَنْهُ، فَإِنَّ مَنْ وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ مِنْ بلخش وَبِنَفْشِ وَزُجَاجٍ، وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَهَا لَا تُفِيدُهُ الْمُشَاهَدَةُ فِي مَعْرِفَةِ الذَّاتِ شَيْئًا.

وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّا نُمَيِّزُ الْإِنْسَانَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَقَدْ حَارَتْ الْأَلْبَابُ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّ اكْتِفَاءَ الْأَصْحَابِ بِالرُّؤْيَةِ كَالصِّفَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي حَقِّ الْعَالِمِ بِالْمَوْصُوفِ؛ لِتُزِيلَ الرُّؤْيَةُ الضَّرَرَ عَنْهُ. أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ لَا تُفِيدُهُ الرُّؤْيَةُ فَلَا يُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا. وَيُؤَيِّدُهُ مَا نُشَاهِدُهُ فِي الْعُقَلَاءِ مِنْ مُعَانَدَتِهِمْ عَلَى مَا لَا يَعْرِفُونَ، لَا يَكْتَفُونَ بِرُؤْيَتِهِمْ بَلْ يَسْتَصْحِبُونَ الْخَبِيرِينَ بِذَلِكَ. وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّصْرِيَةِ وَجْهًا: أَنَّ الْعِيَانَ لَا يَكْفِي فِي حَقِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>