مَنْ لَا يُفِيدُهُ الْعِيَانُ مَعْرِفَةً، وَأَنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَلَا أَثَرَ لِعِيَانِهِ، قَالَ: وَهَذَا الْوَجْهُ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى زُجَاجَةً ظَنَّهَا جَوْهَرَةً، وَاسْتَشْهَدَ بِمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ.
إحْدَاهُمَا: لَوْ رَأَى الْعَيْبَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَيْبُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا كَانَ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ رَأَى الْعَيْبَ وَعَلِمَ أَنَّهُ عَيْبٌ وَلَكِنَّهُ ظَنَّ غَيْرَ الْعَيْبِ الَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَرَضِيَ بِمَا ظَنَّهُ لَا بِمَا هُوَ عَيْبٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا كَانَ الَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَشَدَّ ضَرَرًا، وَفِيمَا قَالَهُ هَذَا الْفَاضِلُ نَظَرٌ. فَقَدْ أَطْبَقَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ بِالْمُشَاهَدَةِ هُوَ أَتَمُّ النَّظَرِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ يُنْعِمُ اللَّهُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِرُؤْيَتِهِ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الذَّاتِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِأَنَّ هَذَا الْمَرْئِيَّ هُوَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِحَاطَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلتَّكْيِيفِ مُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ لِتَصِحَّ الرُّؤْيَةُ.
وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ مَعْرِفَةِ الذَّاتِ، وَتَمْثِيلُهُ بِالْجَوَاهِرِ الثَّلَاثَةِ ضَعِيفٌ، إذْ مَعَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ لَا يَبْقَى مِثَالٌ، بَلْ قَدْ قَالَ الْأَئِمَّةُ: مَعَارِفُ الْآخِرَةِ كُلُّهَا ضَرُورِيَّةٌ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ نَقُولَ: الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ الَّذِي يَخْلُقُهُ اللَّهُ لَهُمْ كَافٍ فِي مَعْرِفَةِ الذَّاتِ، ثُمَّ تَنْضَمُّ إلَيْهِ الْمُشَاهَدَةُ فَيَكُونُ أَتَمَّ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ. ثُمَّ مَا رَأَيْته مِنْ أَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ الرُّؤْيَةُ لَا يُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا فِي حَقِّهِ، وَأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَيَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةِ الْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ الْغَبْنَ يُثْبِتُ الْخِيَارَ إذَا كَانَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ فَصَاعِدًا، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute