فِي قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] بَلْ تُفِيدُ تَعْمِيمَ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَقِيلَ: إنَّمَا تُفِيدُ إلْصَاقَ الْفِعْلِ بِبَعْضِ الْمَفْعُولِ، وَعَلَى هَذَا فَهِيَ مُجْمَلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّ مَسْحَ أَيِّ بَعْضٍ مِنْ الرَّأْسِ وَاجِبٌ. وَقِيلَ: تَقْتَضِي الْإِلْصَاقَ بِالْفِعْلِ مُطْلَقًا وَلَا تَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ تَعْمِيمًا وَلَا تَبْعِيضًا، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ "، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ أَفَادَتْ التَّبْعِيضَ؛ لِأَنَّ الْإِلْصَاقَ الَّذِي هُوَ التَّعَدِّي مَفْهُومٌ مِنْ دُونِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِدُخُولِهَا فَائِدَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ فَإِنَّ فَائِدَتَهُ الْإِلْصَاقُ وَالتَّعْدِيَةُ. اخْتِيَارُ صَاحِبِ " الْمَحْصُولِ " وَ " الْمِنْهَاجِ " وَغَيْرِهِمَا أَعْنِي أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى فِعْلٍ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ اقْتَضَتْ التَّبْعِيضَ، وَنَسَبَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إلَى الشَّافِعِيِّ أَخْذًا مِنْ آيَةِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ وَهَمٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَدْرَكًا آخَرَ كَمَا سَبَقَ فِي الْوَاوِ. وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ بِأَنَّا نُفَرِّقُ بِالضَّرُورَةِ بَيْنَ قَوْلِنَا: مَسَحْتُ يَدِي بِالْمِنْدِيلِ وَبِالْحَائِطِ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا: مَسَحْت الْمِنْدِيلَ وَالْحَائِطَ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ لِلتَّبْعِيضِ وَالثَّانِيَ لِلشُّمُولِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ آخَرُ يَرْجِعُ إلَى الْإِفْرَادِ وَالتَّرْكِيبِ، وَهُوَ أَنَّ مَسَحْت يَدِي بِالْمِنْدِيلِ سِيقَ لِإِفَادَةِ مَمْسُوحٍ وَمَمْسُوحٍ بِهِ، وَالْبَاءُ إنَّمَا جِيءَ بِهَا لِتُفِيدَ إلْصَاقَ الْمَمْسُوحِ بِهِ الَّتِي هِيَ الْآلَةُ بِمَسْحِ الْمَحَلِّ الَّذِي هُوَ الْيَدُ. وَقَوْلُهُ: مَسَحْت الْمِنْدِيلَ وَالْحَائِطَ إنَّمَا سِيقَ إلْصَاقُ الْمَسْحِ بِالْمَمْسُوحِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِعَوْدِ الْفَرْقِ إلَى التَّبْعِيضِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَبْعِيضَ فِي الْكَلَامِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute