وَقِيلَ: إنْ دَخَلَتْ الْبَاءُ عَلَى آلَةِ الْمَسْحِ نَحْوُ مَسَحْت بِالْحَائِطِ وَبِالْمِنْدِيلِ فَهِيَ لِلْكُلِّ، وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى الْمَحَلِّ نَحْوُ {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] لَا يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْآلَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمُنْفَعِلِ فِي وُصُولِ أَثَرِهِ إلَيْهِ، وَالْمَحَلُّ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَلَا يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْآلَةِ بَلْ يَكْفِي فِيهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ. وَأَنْكَرَ ابْنُ جِنِّي وَصَاحِبُ " الْبَسِيطِ " مَجِيئَهَا لِلتَّبْعِيضِ، وَقَالَا: لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ النُّحَاةِ. قُلْت: أَثْبَتَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ مَالِكٍ، وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْفَارِسِيُّ فِي " التَّذْكِرَةِ " وَنُقِلَ عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَتَبِعَهُمْ فِيهِ الْأَصْمَعِيُّ وَالْعُتْبِيُّ. انْتَهَى، وَكَذَا ابْنُ مَخْلَدٍ فِي " شَرْحِ الْجُمَلِ " وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ: مَسَحْت بِالْحَائِطِ، وَتَيَمَّمْت بِالتُّرَابِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْعَبْدَرِيُّ فِي " شَرْحِ الْإِيضَاحِ " قَالَ: وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّ الْبَاءَ الدَّالَّةَ عَلَى الْآلَةِ لَا يَلْزَمُ فِيهَا أَنْ يُلَابِسَ الْفِعْلُ جَمِيعَهَا، وَلَا يَكُونَ الْعَمَلُ بِهَا كُلِّهَا بَلْ بِبَعْضِهَا. وَالْحَقُّ: أَنَّ التَّبْعِيضَ الْأَوَّلَ بِالْقَرِينَةِ لَا بِالْوَضْعِ، وَلَيْسَتْ الْحُجَّةُ بَلْ هِيَ لَيْسَتْ نَصًّا فِي الِاسْتِيعَابِ، فَهِيَ مُجْمَلَةٌ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَلَوْ شَعْرَةً. وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: التَّبْعِيضُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْبَاءِ بَلْ مِنْ طَرِيقِ الِاتِّفَاقِ، وَهُوَ يُحَصِّلُ الْغَرَضَ مِنْ الْفِعْلِ بِتَبْعِيضِ الْآلَةِ بَلْ ظَاهِرُ الْحَقِيقَةِ يُغَطِّي الْجَمِيعَ.
أَلَا تَرَاك: إذَا قُلْت مَسَحْت رَأْسَ الْيَتِيمِ، فَحَقِيقَتُهُ إنْ تَمَّ الْمَسْحُ بِجَمِيعِهِ، وَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute