وَمِنْ الثَّانِي (أَنْ) الْمَفْتُوحَةُ السَّاكِنَةُ تَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ لِتَخَلُّصِهِ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَتَلِي الْمَاضِيَ فَلَا تُغَيِّرُهُ عَنْ مَعْنَاهُ نَحْوُ سَرَّنِي أَنْ ذَهَبَ زَيْدٌ. وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْمُضَارِعِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُؤَوَّلَةٌ بِالْمَصْدَرِ؟ وَالصَّرِيحُ: أَنَّهَا غَيْرُهَا وَإِلَّا لَزِمَ انْصِرَافُ الْمَاضِي مَعَهَا إلَى الِاسْتِقْبَالِ، كَمَا أَنَّ " إنْ " الشَّرْطِيَّةَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْمَاضِي لَمَّا كَانَتْ بِمَعْنَى الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمُضَارِع قَلَبَتْ الْمَاضِيَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَخْلِيصِهَا الْمُضَارِعَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ النُّحَاةِ.
وَزَعَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَتَبِعَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا تَكُونُ غَيْرَ مُخَلِّصَةٍ لِلِاسْتِقْبَالِ بَلْ تَكُونُ لِلْحَالِ، وَاحْتَجُّوا بِذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠] فَقَوْلُهُ: {أَنْ نَقُولَ} حَالٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ مَخْلُوقًا تَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ. وَتَابَعَهُمْ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ. وَقَالَ فِي كِتَابِ " التَّسْدِيدِ ": إنَّ الْقَوْلَ بِتَخْلِيصِهَا لِلِاسْتِقْبَالِ قَوْلٌ ضَعَّفَهُ النُّحَاةُ، وَهَذَا عَجِيبٌ. وَاحْتَجَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ: " أَنْ " مَفْتُوحَةٌ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ " أَنْ " وَمَا تَعْمَلُ فِيهِ مِنْ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ مَصَادِرِهَا فَكَمَا أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَخُصُّ زَمَانًا بِعَيْنِهِ فَكَذَلِكَ مَا كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَتَضَمَّنَ مَعْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute