قَالَ ابْنُ خَرُوفٍ: وَكَلَامُ سِيبَوَيْهِ فِي هَذَا قَوْلُهُ: " أَنْ " الْمَفْتُوحَةُ تَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ " أَنْ " وَمَا تَعْمَلُ فِيهِ مِنْ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ مَصَادِرِهَا وَبَاقِي الْكَلَامِ لِأَبِي الْمَعَالِي، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ سِيبَوَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ " أَنْ " مَعَ الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ مَصْدَرٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَةِ الشَّيْءِ فِي حُكْمٍ مَا، أَنْ يُشْبِهَهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. وَغَرَضُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ " أَنْ " مَعَ الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ اسْمٍ يَجْرِي بِوُجُوهِ الْإِعْرَابِ، كَقَوْلِك: أَعْجَبَنِي أَنْ قُمْت، وَيُعْجِبُنِي أَنْ تَقُومَ فَالْأَوَّلُ مَاضٍ وَالثَّانِي مُسْتَقْبَلٌ. فَإِنْ أَرَدْت الْحَالَ قُلْت: يُعْجِبُنِي أَنَّك تَقُومُ، فَجِئْت بِهَا مُثْقَلَةً، وَإِذَا قُلْت: يُعْجِبُنِي قِيَامُك احْتَمَلَ الْأَزْمِنَةَ الثَّلَاثَةَ، وَلِأَجْلِ الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ جِيءَ بِأَنْ وَالْفِعْلِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ الَّتِي تَمَسَّكَ بِهَا الْقَاضِي وَمُتَابِعُوهُ فَأَجَابَ ابْنُ عُصْفُورٍ فِيمَا حَكَاهُ عَنْ الصَّفَّارِ أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يَكُونُ خِلَافَ الْكَلَامِ لُغَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: امْتَلَأَ الْحَوْضُ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَجَعَلَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ كَلَامًا فَيَكُونُ الْقَوْلُ هُنَا مُتَجَوَّزًا فِيهِ: فَكَأَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا عَلَّقَ إرَادَتَهُ عَلَى الشَّيْءِ أَنْ يُعَلِّقَهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ فَجَعَلَ تَعْلِيقَ الْإِرَادَةِ عَلَى الشَّيْءِ قَوْلًا؛ لِأَنَّهَا يَكُونُ عَنْهَا الشَّيْءُ كَمَا يَكُونُ عَنْ الْأَمْرِ، فَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ إثْبَاتُ خَلْقِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ حَادِثٌ. وَفِيهِ كَلَامٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا لِلْحَالِ وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ كَمَا فِي مَرَرْت بِرَجُلٍ مَعَهُ صَقْرٌ صَائِدٌ بِهِ غَدًا، فَإِنَّ مَعْنَاهُ مُقَدَّرٌ (إلَّا أَنَّ الصَّيْدَ بِهِ غَدًا) وَذَلِكَ لَا يُنَافِي قَوْلَ النُّحَاةِ: أَنَّهَا تُخَلِّصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ.
وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمَاضِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا} [البروج: ٨] قَالُوا: فَوُقُوعُ الْمَاضِي قَبْلَهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute