للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكُونُ لِغَيْرِ الِاسْتِقْبَالِ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُقْتَلُوا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ، وَبِذَلِكَ وَرَدَ خَبَرُهُمْ فِي حَدِيثِ الْفَتَى وَالرَّاهِبِ وَالْمَلِكِ فَذُكِرَا بِفِعْلٍ قَبْلَهَا بِلَفْظِ الْمَاضِي وَالثَّانِي بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ لِيَعُمَّ الْأَزْمِنَةَ الثَّلَاثَةَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ:

وَنَدْمَانَ يَزِيدُ الْكَأْسَ طِيبًا ... سَقَيْت إذَا تَغَوَّرَتْ النُّجُومُ

وَتَجِيءُ [أَنْ] لِلتَّعْلِيلِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحِ أَنْ وَقَعَ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ نَحْوِيًّا؛ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعِلَّةِ، وَقَدْ نَاظَرَ فِيهِ الْكِسَائِيُّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ، فَزَعَمَ الْكِسَائِيُّ أَنَّهَا بِمَعْنَى " إذْ " مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحجرات: ١٧] وَقَوْلُهُ: {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: ٩١] وَهُوَ مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ. وَخَالَفَهُمْ الْبَصْرِيُّونَ وَأَوَّلُوا عَلَى أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: إسْلَامُهُمْ وَلَكِنْ قَبْلَهَا لَامُ الْعِلَّةِ مَقْدِرَةٌ، وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ انْتِصَارُ السُّرُوجِيِّ فِي " الْغَايَةِ " لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ مَلْحُوظٌ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِيقَاعَ فِي الْحَالِ.

تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ وَالْفِعْلِ وَالْمَصْدَرِ، وَذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: دَلَالَةُ الْفِعْلِ عَلَى الْمُضِيِّ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ بِخِلَافِ الْمَصْدَرِ. الثَّانِي: دَلَالَةُ " أَنْ " وَالْفِعْلِ عَلَى إمْكَانِ الْفِعْلِ دُونَ وُجُوبِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ بِخِلَافِ الْمَصْدَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>