فَإِنْ كَانَا مُفْرَدَيْنِ أَفَادَا ثُبُوتَ الْحُكْمِ لِأَحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَا جُمْلَتَيْنِ أَفَادَ حُصُولَ مَضْمُونِ أَحَدِهِمَا، وَلِذَلِكَ يُفْرَدُ ضَمِيرُهُمَا نَحْوُ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو قَامَ، وَلَا تَقُلْ: قَامَا. بِخِلَافِ الْوَاوِ فَتَقُولُ: زَيْدٌ وَعَمْرٌو قَامَا، وَلَا تَقُلْ: قَامَ. وَحَقِيقَتُهَا أَنَّهَا تُفْرِدُ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ، وَوُجُوهُ الْإِفْرَادِ تَخْتَلِفُ فَتَتَقَارَبُ تَارَةً، وَتَتَبَاعَدُ أُخْرَى حَتَّى تُوهِمَ أَنَّهَا قَدْ تَضَادَّتْ، وَهِيَ فِي ذَلِكَ تَرْجِعُ إلَى الْأَصْلِ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ، وَقَدْ وُضِعَتْ لِلْخَبَرِ وَالطَّلَبِ، فَأَمَّا فِي الْخَبَرِ فَمَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ قِيَامُ الشَّكِّ، فَقَوْلُك: زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو قَامَ، أَصْلُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَامَ. ثُمَّ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ شَاكًّا لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا الْقَائِمُ، فَظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنْ يَحْمِلَهُ السَّامِعُ عَلَى جَهْلِ الْمُتَكَلِّمِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ غَيْرَ شَاكٍّ، وَلَكِنَّهُ أُبْهِمَ عَلَى السَّامِعِ لِغَرَضٍ. وَيُسَمَّى الْأَوَّلُ الشَّكَّ، وَالثَّانِي التَّشْكِيكَ وَالْإِبْهَامَ أَيْضًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: ٢٤] . وَكَذَلِكَ جَاءَتْ فِي خَبَرِ اللَّهِ، نَحْوُ {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: ١٤٧] {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: ٧٤] {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: ٧٧] {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: ٩] فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَقَعُ الْإِبْهَامُ مِنْ اللَّهِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ مِنْهُ الْبَيَانُ؟ قُلْت: إنَّمَا خُوطِبُوا عَلَى قَدْرِ مَا يَجْرِي فِي كَلَامِهِمْ، وَلَعَلَّ الْإِبْهَامَ عَلَى السَّامِعِ لِعَجْزِهِ عَنْ بُلُوغِ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: الْقَصْدُ مِنْ الْإِبْهَامِ فِي الْخَبَرِ تَهْوِيلُ الْأَمْرِ عَلَى الْمُخَاطَبِ مِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَحَمْلُهَا عَلَى ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute