الْمَعْنَى هُوَ مِنْ صِنَاعَةِ الْحُذَّاقِ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ إخْرَاجِهَا إلَى مَعْنَى الْوَاوِ.
وَبِالْجُمْلَةِ، الْإِخْبَارُ بِالْمُبْهَمِ لَا يَخْلُو، عَنْ غَرَضٍ إلَّا أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ الشَّكُّ، فَمِنْ هُنَا ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ " أَوْ " لِلشَّكِّ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا إلَّا تَبَادُرَ الذِّهْنِ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ وَضْعَ الْكَلَامِ لِلْإِبْهَامِ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ " أَوْ " لَمْ تُوضَعْ لِلتَّشْكِيكِ، وَإِلَّا فَالشَّكُّ أَيْضًا مَبْنِيٌّ يُقْصَدُ إبْهَامُهُ بِأَنْ يَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمُ إخْبَارَ الْمُخَاطَبِ بِأَنَّهُ شَاكٌّ فِي تَعْيِينِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ وَلَا التَّشْكِيكَ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْكَلَامِ ابْتِدَاءً. وَقَدْ يَحْسُنُ دُخُولُ " أَوْ " بَيْنَ أَشْيَاءَ يَتَنَاوَلُهَا الْفِعْلُ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُرَادُ بِالْخَبَرِ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي وَقْتِهِ، كَقَوْلِك: إذَا قِيلَ لَك: مَا كُنْت تَأْكُلُ مِنْ الْفَاكِهَةِ؟ قُلْت: آكُلُ التِّينَ أَوْ الْعِنَبَ أَوْ الرُّمَّانَ. أَيْ إفْرَادُ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً، وَلَمْ تُرِدْ الشَّكَّ وَلَا الْإِبْهَامَ هَذَا شَأْنُهَا فِي الْخَبَرِ. وَأَمَّا فِي الطَّلَبِ أَعْنِي الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فَتَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ كِلَاهُمَا لِلْإِفْرَادِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إذَا اخْتَارَهُ وَلَا يَتَجَاوَزُهُ، وَالْآخَرُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: يَكُونُ اخْتِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرَ مَحْظُورٍ عَلَيْهِ الْآخَرُ، وَسَمَّوْا الْأَوَّلَ تَخْيِيرًا وَالثَّانِيَ إبَاحَةً وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ.
فَالْأَوَّلُ: نَحْوُ خُذْ مِنْ مَالِي دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا حَيْثُ يَكُونُ مَقْصُودُهُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute