يَأْخُذُوا وَاحِدًا فَقَطْ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، أَوْ لِمَا يَقْتَضِيهِ حَظْرُ مَالِ غَيْرِهِ عَنْهُ إلَّا بِسَبَبٍ تُصَحَّحُ بِهِ إبَاحَتُهُ لَهُ، وَالسَّبَبُ هُنَا تَخْيِيرُ الْمَأْمُورِ بِاجْتِنَابِهِ، فَقَدْ أَبَاحَهُ بِالتَّخْيِيرِ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ. فَأَيَّهُمَا اخْتَارَ كَانَ هُوَ الْمُبَاحَ، وَيَبْقَى الْآخَرُ عَلَى حَظْرِهِ، وَكَذَلِكَ كُلْ سَمَكًا أَوْ لَبَنًا لِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْجَمْعِ. وَالثَّانِي: نَحْوُ جَالِسْ الْحَسَنَ أَوْ ابْنَ سِيرِينَ، أَيْ: جَالِسْ هَذَا الْجِنْسَ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ تَعَلَّمْ فِقْهًا أَوْ نَحْوًا. قَالَ سِيبَوَيْهِ: تَقُولُ: جَالِسْ الْحَسَنَ أَوْ ابْنَ سِيرِينَ أَوْ زَيْدًا، كَأَنَّك قُلْت: جَالِسْ أَحَدَ هَؤُلَاءِ، وَلَمْ تُرِدْ إنْسَانًا بِعَيْنِهِ، فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّهُمْ أَهْلٌ أَنْ يُجَالَسَ، كَأَنَّك قُلْت: جَالِسْ هَذَا الضَّرْبَ مِنْ النَّاسِ. وَتَقُولُ: كُلْ خُبْزًا أَوْ لَحْمًا أَوْ تَمْرًا فَكَأَنَّك قُلْت: كُلْ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي قَبْلَهُ. انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ " أَوْ " مِنْ حَيْثُ هِيَ تَدُلُّ عَلَى الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْأَشْيَاءِ مِثْلُ " إمَّا ". وَيَنْفَصِلُ التَّخْيِيرُ عَنْ الْإِبَاحَةِ بِالْقَرِينَةِ وَسِيَاقِ الْكَلَامِ، وَهِيَ تُسَاوِي " إمَّا " فِي التَّخْيِيرِ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْمَنْطِقِيُّونَ: مُنْفَصِلَةً مَانِعَةَ الْجَمْعِ، وَفِي الْإِبَاحَةِ: مُنْفَصِلَةً مَانِعَةَ الْخُلُوِّ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ إنْ كَانَا أَصْلُهُمَا عَلَى الْمَنْعِ فَلِلتَّخْيِيرِ، وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ إنَّمَا أَخَذُوهُ مِنْ أَمْثِلَتِهِمْ. حَتَّى مَثَّلُوا الْأَوَّلَ بِ خُذْ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا، وَالثَّانِي يُجَالِسُ الْحَسَنَ أَوْ ابْنَ سِيرِينَ. وَلَيْسَ هَذَا بِمُطَّرِدٍ فَقَدْ تَقُولُ لَهُ: جَالِسْ أَحَدَهُمَا وَتَقْصِدُ الْمَنْعَ مِنْ الْجَمْعِ.
وَقَدْ يَأْذَنُ لَهُ فِي أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَيَرْضَى بِالْجَمْعِ. وَإِنَّمَا الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَرْقِ الْقَرَائِنُ كَمَا ذَكَرْنَا وَلِذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ " أَوْ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute