فِي آيَةِ الْكَفَّارَةِ لِلتَّخْيِيرِ، وَيُسَمُّونَهَا الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ السُّؤَالُ بِالْآيَةِ عِنْدَهُمْ، وَلَا حَاجَةَ لِلتَّكَلُّفِ عَنْ ذَلِكَ. وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ التَّخْيِيرَ وَالْإِبَاحَةَ قِسْمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِبَاحَةِ هِيَ التَّخْيِيرُ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ فِي الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ لِلْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ لَا لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ، كَمَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ صُحْبَةِ الْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ وَصْفُ كَمَالٍ لَا نَقْصَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ: مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ فِي الطَّلَبِ التَّخْيِيرُ، وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَطَارِئَةٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ فِيهِ خَارِجَةً عَنْ وَضْعِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَفْرَدَ أَحَدَهُمَا بِالْمُجَالَسَةِ كَانَ مُمْتَثِلًا، وَلَمَّا كَانَتْ مُجَالَسَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي مُجَالَسَةِ الْآخَرِ سَاغَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَبَحْت لَك مُجَالَسَةَ هَذَا الضَّرْبِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَتَى بِالْوَاوِ، فَقَالَ: جَالِسْ الْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ لَمْ يَتَمَثَّلْ إلَّا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. فَاعْرِفْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ السِّيرَافِيِّ: " أَوْ " الَّتِي لِلْإِبَاحَةِ مَعْنَاهَا مَعْنَى وَاوِ الْعَطْفِ، وَالتَّسْوِيَة؟ نُسِبَتْ لِلْإِبَاحَةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُضَارَعَةِ، وَلِهَذَا قَالُوا: سَوَاءٌ عَلَيْنَا قِيَامُك وَقُعُودُك، وَسَوَاءٌ عَلَيَّ قِيَامُك أَوْ قُعُودُك. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْجُرْجَانِيِّ فِي كِتَابِ " الْعَوَامِلِ ": " أَوْ " تُوجِبُ الشَّرِكَةَ عَلَى سَبِيلِ الْجَوَازِ، وَالْوَاوُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ. قَالَ: وَحَيْثُ أُرِيدَ بِهَا الْإِبَاحَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جِنْسًا مَخْصُوصًا فَلَا يَصِحُّ كُلْ السَّمَكَ أَوْ اشْرَبْ اللَّبَنَ، أَوْ اضْرِبْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِمَا أَنَّهُمَا مَثَلَانِ فِي الشُّرْبِ وَاسْتِحْقَاقِ الضَّرْبِ.
وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى اتِّحَادِ الْجِنْسِ. وَكَذَلِكَ كُلْ صَيْحَانِيًّا أَوْ بَرْنِيًّا قَالَ: وَإِذَا أَمْعَنْت النَّظَرَ لَمْ تَجِدْ " أَوْ " زَائِلَةً عَنْ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ كَوْنُهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْأَشْيَاءِ. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute