وَقَدْ تَدْخُلُ " أَوْ " لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّفْصِيلِ، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ عَنْ جَمَاعَةٍ قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ الْقَوْلَ الْآخَرَ، كَقَوْلِك: أَجْمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالُوا: حَارِبُوا أَوْ صَالِحُوا أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ حَارِبُوا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ صَالِحُوا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [البقرة: ١٣٥] وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفِرَقِ فِرْقَةٌ تُخَيِّرُ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ جُمْلَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ قَالُوا، ثُمَّ فَصَّلَ مَا قَالَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِي عُقُوبَةِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ التَّخْيِيرَ فِي الْآيَةِ. وَاخْتَارَ السِّيرَافِيُّ أَنَّ " أَوْ " فِيهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ لِلتَّفْصِيلِ وَتَرْتِيبِ اخْتِيَارِ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ عَلَى أَصْنَافِ الْمُحَارَبِينَ كَالْآيَةِ السَّابِقَةِ عَلَى أَنَّ بَعْضًا وَهُمْ الَّذِينَ قَتَلُوا يُقَتَّلُونَ، وَبَعْضًا وَهُمْ الَّذِينَ أَخَذُوا تُقَطَّعُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَدْ تُسْتَعَارُ " أَوْ " إذَا وَقَعَ بَعْدَهَا مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ، نَحْوُ لَأَلْزَمَنَّكَ حَتَّى تُعْطِيَنِي، وَلِهَذَا قَالَ النُّحَاةُ: إنَّهَا بِمَعْنَى " إلَى " لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ يَمْتَدُّ إلَى وُقُوعِ الثَّانِي، أَوْ يَمْتَدُّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَى وَقْتِ وُقُوعِ الثَّانِي بَعْدَهُ فَيَنْقَطِعُ امْتِدَادُهُ. وَقَدْ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: ١٢٨] أَيْ: حَتَّى تَقَعَ تَوْبَتُهُمْ أَوْ تَعْذِيبُهُمْ. وَذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلَى أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى مَا سَبَقَ، وَ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨] اعْتِرَاضٌ. وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَالِكُ أَمْرِهِمْ، فَإِمَّا أَنْ يُهْلِكَهُمْ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute