للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْمَعْنَى مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَامْتِنَاعُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ صَادِقٌ بِعَدَمِ وِجْدَانِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ إذْ الْمُرَادُ لَامْتَنَعَ إيجَابُهُمْ لِهَذَا التَّقْدِيرِ.

وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَقَوْلُهُمْ يَلْزَمُ نَفَادُ الْكَلِمَاتِ عِنْدَ انْتِفَاءِ كَوْنِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامًا، وَهُوَ الْوَاقِعُ فَيَلْزَمُ النَّفَادُ، وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ النَّفَادَ إنَّمَا يَلْزَمُ انْتِفَاؤُهُ لَوْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ فِي الْعَقْلِ أَنَّهُ مُقْتَضٍ لِلِانْتِفَاءِ. أَمَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَتَصَوَّرُهُ الْعَقْلُ مُقْتَضِيًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى، فَمَعْنَى " لَوْ " فِي الْآيَةِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْمُقْتَضَى لَمَا وُجِدَ الْحُكْمُ لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فَكَيْفَ يُوجَدُ؟ وَلَيْسَ الْمَعْنَى: لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فَوُجِدَ لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْحُكْمِ بِلَا مُقْتَضٍ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَاسْتَقَرَّ فِي الْعِبَادِ وَلَمْ يَحْصُلْ النَّفَادُ لَكِنَّهُ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ مَا اعْتَمَدُوا الْبِحَارَ لِعَدَمِ وُجُودِهَا. وَأَمَّا الْأَثَرُ فَلِمَا سَبَقَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ عَارَضَ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ، وَبِأَنَّ الْمَنْفِيَّ وَهُوَ مَعْصِيَتُهُ لَا يَنْشَأُ عَنْ خَوْفٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِصْيَانِ لَهُ سَبَبَانِ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ؟ وَقَدْ اجْتَمَعَا فِي صُهَيْبٍ فَلَوْ قُدِّرَ فِيهِ عَدَمُ الْخَوْفِ لَمْ يَعْصِهِ، فَكَيْفَ وَعِنْدَهُ مَانِعٌ آخَرُ وَهُوَ الْإِجْلَالُ فَالْقَصْدُ نَفْيُ الْمَعْصِيَةِ بِكُلِّ حَالٍ، كَمَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ فُلَانٌ جَاهِلًا لَمْ يَقُلْ هَذَا، فَكَيْفَ وَهُوَ عَالِمٌ؟ أَوْ يُقَالُ: لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ، فَكَيْفَ يَعْصِي اللَّهَ وَهُوَ يَخَافُهُ؟ وَإِذَا لَمْ يَعْصِهِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَعْصِيَهُ مَعَ وُجُودِهِ. وَيُحْكَى أَنَّ الشَّلَوْبِينَ سُئِلَ عَنْ مَعْنَاهُ فَأَنْشَدَ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

فَلَوْ أَصْبَحَتْ لَيْلَى تَدِبُّ عَلَى الْعَصَا ... لَكَانَ هَوَى لَيْلَى جَدِيدًا أَوَائِلُهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>