كانوا يفعلون ذلك هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الذين عرفوا التوحيد بمعانيه الصحيحة، ولا يدور في الذهن أنهم يمكن أن يقعوا في شيء من الغلو في النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بخلاف هؤلاء المتأخرين الذين جاءوا فقد ... لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - غلوًا كثيرًا وفي صور شتى، فلا نستطيع أن نقيس الخلف على السلف فلئن ثبت كما ذكرنا عن بعض الصحابة ذلك فهو حكم ومن أحسن أحواله أن يقال بأنه جائز، والأمر الجائز إذا خشي أن يترتب من ورائه فساد في العقيدة أو القلوب فيجب إيقافه من باب سد الذريعة.
ولعل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان ينظر هذه النظرة البعيدة حينما حج في خلافته ونزل منزلًا من تلك المنازل فرأى بعض الناس ينحون منحًى عن الجادة وعن الطريق، فلما سأل إلى أين هؤلاء يذهبون؟ قيل له: بأن هناك مصلًى صلى فيه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهم يقصدون الصلاة في هذا المصلى، فقال رضي الله تعالى عنه: من أدركته الصلاة من شيء من هذه المصليات التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فليصلّ ومن لا فلا تفعلوا فإنما أهلك من قبلكم اتباعهم آثار أنبيائهم.
فهذا الاتباع كان سببًا في وقوع الفساد ... بالنسبة لمن كان قبلنا من اليهود والنصارى، فلا غرابة ولا جرم أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:«لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله» فعلى الرغم من أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - نصح أمته بهذا الحديث إذا بهذه الأمة من على فيه وقال:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت فيه مدحًا فاحتكم
فهذا في واد، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا تطروني كما أطرت النصارى .. » في واد آخر،