فما حكم عليها بالكفر مع أن الحديث يقول:«وقتاله كفر».
إذاً: قتاله كفر، أي: دون كفر كما قال ابن عباس في تفسير الآية السابقة.
فقتال المسلم للمسلم بغي واعتداء وفسق وكفر، ولكن هذا يعني أن الكفر قد يكون كفراً عملياً، وقد يكون كفراً اعتقادياً، من هنا جاء التفصيل الدقيق الذي تولى بيانه وشرحه الإمام بحق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعده تلميذه البار ابن القيم الجوزية، حيث أن لهم الفضل في الدندنة حول تقسيم الكفر إلى ذلك التقسيم الذي رفع رايته ترجمان القرآن بتلك الكلمة الجامعة الموجزة، فابن تيمية رحمه الله وتلميذه وصاحبه ابن القيم الجوزية يفرقون أو يدندنون دائماً بضرورة التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي، وإلا وقع المسلم من حيث لا يدري في فتنة الخروج عن جماعة المسلمين التي وقع فيها الخوارج قديماً، وبعض أذنابهم حديثاً.
فإذاً: قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وقتاله كفر» لا يعني الخروج عن الملة، وأحاديث كثيرة وكثيرة جداً لو جمعها المتتبع لخرج منها برسالة نافعة في الحقيقة فيها حجة دامغة لأولئك الذين يقفون عند الآية السابقة ويلتزمون فقط تفسيرها بالكفر الاعتقادي، بينما هناك النصوص الكثيرة والكثيرة جداً التي فيها لفظة الكفر ولا يعنى أنها تعني الخروج عن الملة، فحسبنا الآن هذا الحديث؛ لأنه دليل قاطع على أن قتال المسلم لأخيه المسلم هو كفر بمعنى الكفر العملي وليس الكفر الاعتقادي، فإذا عدنا إلى جماعة التكفير وإطلاقهم الكفر على الحكام، وعلى من يعيشون تحت رايتهم وبالأولى الذين يعيشون تحت إمرتهم وتوظيفهم، فوجهة نظرهم هي الرجوع إلى أن هؤلاء ارتكبوا المعاصي فكفروا بذلك.