مكان، فهو الآن كما عليه كان قبل وجود مكان، قبل وجود المكان لم يكن في المكان، فهو كذلك بعد وجود المكان ليس في المكان، هذه حقيقة بدهية، وهؤلاء الذين يفسرون الآية السابقة: استوى بمعنى استولى هم يريدون الفرار من إثبات المكان لله، وليس هذا طريق هذا الفرار، كما قيل:
أوردها سعد وسعد مشتمل ... ما هكذا يا سعد تورد الإبل
على المسلم أن يثبت أن الله عز وجل لم يكن في مكان وهو كذلك بعد أن خلق المكان ليس في مكان، فاعتبار المسلم أن الله فوق المخلوقات لا يعني أنه في مكان، لأن المخلوقات محدودة المدى، فكل شيء محدود من المخلوقات، فإذا كانت المخلوقات محدودة فما وراء المخلوقات عدم ليس هناك مكان، فإذا كنا نقول: كان الله ولا شيء ولا مكان، فإذاً: هو لم يكن في مكان، فهو كذلك أيضاً ما دام أنه وراء المخلوقات فهو ليس في مكان.
إذاً: المشكلة التي اضطرتهم إلى تأويل عشرات النصوص في الكتاب والسنة هو وهم وخيال؛ لأنهم يتوهمون أن إثبات الفوقية لله معنى ذلك جعلوه في مكان، والفوقية التي هي صفة الله عز وجل لها علاقة بالله الأزلي القديم وليس لها علاقة بالحادث المخلوق الذي وجد بعد أن لم يكن، فهذا المخلوق محدود، ففي حدوده المكان والزمان، أما ما وراء هذا المخلوق فلا مكان ولا زمان، فأي شيء وراء هذا المخلوق ليس إلا الله تبارك وتعالى.
ومن هنا يقول السلف رضي الله عنهم كالإمام أحمد وعبد الله بن المبارك وغيرهم أن الذين ينفون صفة العلو عن الله تبارك وتعالى وأن الله ليس فوق مخلوقاته إنما يريدون إنكار وجود الله عز وجل ولكن بطريقة ملتوية ليست