وإذا عرفت الجواب عن الشبهة السابقة " الجهة " يسهل عليك فهم الجواب عن هذه الشبهة وهو أن يقال:
إما أن يراد بالمكان أمر وجودي وهو الذي يتبادر لأذهان جماهير الناس اليوم، ويتوهمون أنه المراد بإثباتنا لله تعالى صفة العلو. فالجواب: أن الله تعالى منزه عن أن يكون في مكان بهذا الاعتبار فهو تعالى لا تحوزه المخلوقات؛ إذ هو أعظم وأكبر، بل قد وسع كرسيه السموات والأرض وقد قال تعالى:[وما قدر الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه] وثبت في " الصحيحين " وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال:«يقبض الله بالأرض ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟».
وأما أن يراد بالمكان أمر عدمي وهو ما وراء العالم من العلو فالله تعالى فوق العالم، وليس في مكان بالمعنى الوجودي كما كان قبل أن يخلق المخلوقات.
فإذا سمعت أوقرأت عن أحد الأئمة والعلماء نسبة المكان إليه تعالى. فاعلم أن المراد به معناه العدمي، يريدون به إثبات صفة العلو له تعالى، والرد على الجهمية والمعطلة الذين نفوا عنه سبحانه هذه الصفة ثم زعموا أنه في كل مكان بمعناه الوجودي، قال العلامة ابن القيم في قصيدته " النونية " (٢/ ٤٤٦ - ٤٤٧ - المطبوعة مع شرحها " توضيح المقاصد ":
والله أكبر ظاهر ما فوقه شيء ... وشأن الله أعظم شان
والله أكبر عرشه وسع السما ... والأرض والكرسي ذا الأركان
وكذلك الكرسي قد وسع الطبا ... ق السبع والأرضين بالبرهان