التي جرى عليها حضرة الأستاذ في الرد على المبشرين والمستشرقين، قد أخذ بها كثير من الكتاب المسلمين في العصر الحاضر، لا سيما الذين لا علم عندهم بأدلة الكتاب والسنة، فهؤلاء كلما رأوا مبشراً (١) يورد شبهة على نص إسلامي، أو يستغله للطعن في الدين، بادروا إلى التشكيك في صحته إن كان حديثاً أو سيرة، وإلى تأويل معناه إن كان لا سبيل إلى إنكاره من أصله كالقرآن، وهذا الأسلوب مع ما فيه من عدم الاعتداد بنصوص الشريعة المعصومة ومعانيها، فإنه في الوقت نفسه يدل على أن هؤلاء الكتاب قد وثقوا بعلم أولئك الكفار وفهمهم وإخلاصهم ثقة عمياء! مع أن الذي يدقق فيما كتبوه ويكتبونه من البحوث حول الشريعة الإسلامية والتاريخ الإسلامي يتجلى له بوضوح لا وضوح بعده - إلا قليلاً منهم - لا إنصاف عندهم ولا علم، وأنهم كل غرضهم من ذلك تشويه حقائق الإسلام الناصعة وإبعاد المسلمين عنه، وليس يتسع هذا المقال لضرب الأمثلة على ما نقول، ولكن حسبنا منها هذه الحادثة التي أثبتنا صحتها، فقد علمت مما سبق كيف أن جماعة من أولئك المستشرقين اعتبروها من الخرافات والأساطير، وكيف أن الأستاذ المصري انزلق معهم في ذلك مع ما فيها من الآيات البينات على التبشير بنبوته - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولذلك أنكرها أولئك الكفار، وأما أخونا المصري فإنما أنكرها متأثراً بوحي خفي من بعض المستشرقين الآخرين الذين زعموا أن الحادثة تدل أن الدين الإسلامي مستقى من بحيرا الراهب، وأنه كان يتردد إلى مكة يعلم محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - تعاليمه! كما نقله الأستاذ المصري عنهم، وهم بهذا الزعم يرمون إلى أحد شيئين إما إثباته في قلوب ضعفاء العلم والإيمان منا، وإما حمل من كان قوي الإيمان منا
(١) قلت: الصواب تسميته «منصراً» فأخبارهم وأعمالهم وأبعد ما يكون عن البشارة والخير. (العباسي). [منه].