للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل التأييد، من ذلك مثلاً حديث الرهط (١) الذين جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم ثلاثة رجال فلم يجدوه فسألوا أهله عليه الصلاة والسلام عن عبادته، عن قيامه وصيامه وقربانه لنسائه، فذكرن ما يعلمن من ذلك عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقلن: إنه عليه الصلاة والسلام يصوم ويفطر، ويقوم الليل وينام، ويتزوج النساء. فلما سمع الرهط كلام نساء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تقول أو يقول راوي الحديث وهو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: لما سمعوا ذلك تقالوها، أي: وجدوا عبادة الرسول قليلة. سبحان الله! رسول الله الذي قام حتى تفطرت وفي لفظ: تشققت قدماه، يقول هذا الرهط أن عبادة الرسول عليه السلام قليلة، لماذا؟ هنا الشاهد وهنا النكتة يا إخواننا فانتبهوا.

إنهم كانوا يتوهمون أن التقرب إلى الله تبارك وتعالى إنما يكون بالترهب أي: بأن ينذر المسلم نفسه لعبادة الله فقط ولا يهتم بشيء من أمور الدنيا، لا يهتم بشيء يتعلق بنسائه وأولاده، هكذا هم تصوروا. وهذا بلا شك تصور مخالف للإسلام الذي من أقواله عليه الصلاة والسلام: «لا رهبانية في الإسلام» (٢).

من أجل هذا التوهم الخاطئ وجدوا عبادة الرسول عليه السلام قليلة، ومن ذلك رجعوا إلى أنفسهم يقولون: هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لسان حالهم يقول: لماذا لا يتمتع الرسول بنسائه؟ لماذا لا يتمتع النبي عليه السلام بنومه؟ لماذا لا يتمتع الرسول بطعامه وشرابه؟ إذاً هو كان يصوم ويفطر، ويقوم الليل وينام، ويتزوج النساء أي: يغتسل منهن.

هم تصوروه عليه السلام حسب تصورهم الخاطئ أنه قائم الليل كل الليل،


(١) البخاري (رقم٤٧٧٦) ومسلم (رقم٣٤٦٩).
(٢) الصحيحة (٤/ ٣٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>