للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه صائم الدهر كل الدهر وأنه لا يقرب النساء، كما قال بعض القدامى: ضاع العلم بين أفخاذ النساء، فتصوروا الرسول عليه السلام أنه لا علاقة له بهذه الدنيا، ثم عادوا يعللون تلك القلة من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بعلة لو أنهم صمموا عليها وأصروا عليها ولم يعودوا إلى سنته عليه السلام لضلوا ضلالاً بعيداً، لأنهم قالوا: ولماذا رسول الله يتعب نفسه فيصلي الليل كله ويصوم الدهر؟ ما في حاجة، الله غفر له وكما يقال في بعض البلاد: حَط رجليه بالماء البارد واستراح.

هذا طعن في عبادة الرسول عليه السلام، وهو الذي جاء في صحيح البخاري من حديث جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومنهم المغيرة بن شعبة، قال: «قام رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى تفطرت قدماه. قالوا: يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر» كأنهم يقولون له: ارفق بنفسك، اشفق عليها، لماذا تقوم هكذا حتى تشققت قدماه؟ فكان جوابه عليه السلام كما هو المفروض في سيد البشر وأفضل البشر وأكمل البشر قاطبة، قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً، أفلا أكون عبداً شكوراً» (١).

إذاً رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما نسبه ذلك الرهط إلى الإقلال في العبادة كانوا مخطئين كل الخطأ، كانوا متوهمين لأنهم كانوا أو لأنهم كانوا يحمدون في فكرهم الرهبانية التي ليست من الإسلام، بناءً على ذلك الوهم القائم في أذهانهم وبعد أن علَّلوا قلة عبادة نبيهم أن الله غفر له وانتهى الأمر، قالوا: أما نحن فنحن لا نعلم أن الله عز وجل قد غفر لنا فما هو السبيل لنحصل مغفرة ربنا عز وجل؟ تعاهد الثلاثة بعضهم مع بعض على ما يأتي.


(١) البخاري (رقم١٠٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>