للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوجِبُ بُطْلَانَ نِكَاحِهِ، كَذَلِكَ بَيْعُ الزَّوْجَةِ وَعِتْقُهَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ نِكَاحِهَا، وَأَمَّا الأَمَةُ فَوَارِدَةٌ فِي السَّبَايَا، وَالفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ السَّبْيَ لَمَّا أَبْطَلَ الحُرِّيَّةَ الَّتِي هِيَ أَقْوَى، كَانَ نِكَاحُهَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ أَوْلَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ البَيْعُ وَالعِتْقُ.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَعَلَى الْمُشْتَرِي إِقْرَارُ الزَّوْجِ عَلَى نِكَاحِهِ، وَلَهُ الخِيَارُ فِي فَسْخِ البَيْعِ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِنِكَاحِهِ، لِتَفْوِيتِ بُضْعِهَا عَلَيْهِ، هَذَا إِذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ زَوْجٍ، وَكَانَ عَبْدًا، فَلَهَا الخِيَارُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ لِكَمَالِهَا وَنَقْصِهِ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ.

فَأَمَّا إِذَا أُعْتِقَتْ وَزَوْجُهَا حُرٌّ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي خِيَارِهَا:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا (١)، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ (٢).

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ (٣): لَهَا الخِيَارُ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (خَيَّرَ رَسُولُ اللهِ بَرِيرَةَ، وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا) (٤)، وَلِأَنَّ


(١) ينظر: الأم للشافعي (٥/ ١٢٢)، مختصر المزني (ص: ١٧٧).
(٢) وممَّن قال به من الصَّحَابَة: ابن عَبَّاسٍ، وابنُ عُمَر، وعَائِشَة أَجْمَعين، وتنظر الآثارُ عَنْهُم في السُّنَن الكُبْرى للبيهقي (٧/ ٢٢١ - ٢٢٢)، والمحلى لابن حزم (٩/ ٣٤٥ - ٣٤٧).
(٣) ينظر: مختصر الطحاوي (ص: ١٨٢، شرح فتح القدير لابن الهمام (٣/ ٤٠٢).
(٤) أخرجه البخاري (رقم: ٦٧٥٤) من طريق مَنْصُورٍ عن إبْراهِيم عن الأَسْوْد أنَّ عَائِشَةَ به، وفي آخِرِه قالَ البُخَارِيُّ: "قولُ الأسود مُنْقَطِع، وقولُ ابن عَبَّاس: رَأَيْتُه عبدًا أَصَحُّ".
قال الحافظ في الفتح (١٢/ ٤١): (قوله: (قولُ الأسود منقطعٌ)، أي: لم يَصِلهُ بِذكرِ عائشة فيه، وقولُ ابن عَبَّاسٍ أصحُّ: لأنهُ ذكر أنَّه رَآهُ، وقد صحَّ أنَّهُ حَضر القصَّةَ وشَاهَدها، فيرجَّحُ قَوْلُهُ على قَوْلٍ من لم يُشاهدها، فإنَّ الأسود لم يَدخُل المدينة في عهدِ الرَّسُول ".
قلتُ: وروايَةُ ابن عبَّاسٍ التي أشار إلَيْهَا الحافظ أخرجها البخاري (رقم: ٥٢٨٣).
وقال الحافظ في فتح الباري (٩/ ٤١١) عن قَوْلِ الأَسود: "مُدرَجٌ من قولِ الأسود، أُدرجَ في =

<<  <  ج: ص:  >  >>