الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ بَرِّيٍّ فِي التَّرْتِيبِ بِ " ثُمَّ " ضَعَّفَ فِيهِ الْقَوْلَ بِالتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ.
قَالَ: بَعْدَ أَنْ قَرَرْت أَنَّ " ثُمَّ " لِتَرْتِيبِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْوُجُودِ بِمُهْلَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الزَّمَانِ أَنَّ " ثُمَّ " تَأْتِي أَيْضًا لِتَفَاوُتِ الرُّتْبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجِيءُ هَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودًا بِالْفَاءِ الْعَاطِفَةِ، نَحْوَ خُذْ الْأَفْضَلَ فَالْأَكْمَلَ، وَاعْمَلْ الْأَحْسَنَ فَالْأَجْمَلَ، وَنَحْوُ «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ فَالْمُقَصِّرِينَ» ، فَالْفَاءُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ الْفَضْلِ مِنْ الْكَمَالِ وَالْحُسْنِ فِي الْحَالِ، وَفِي الثَّانِي لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ الْمُحَلِّقِينَ مِنْ الْمُقَصِّرِينَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَلْقِهِمْ وَتَقْصِيرِهِمْ. وقَوْله تَعَالَى {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: ١] {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} [الصافات: ٢] تَحْتَمِلُ الْفَاءُ فِيهِ الْمَعْنَيَيْنِ مَجَازًا، فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ تَفَاوُتُ رُتْبَةِ الصَّفِّ مِنْ الزَّجْرِ، وَرُتْبَةِ الزَّجْرِ مِنْ التِّلَاوَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا تَفَاوُتُ رُتْبَةِ الْجِنْسِ الصَّافِّ مِنْ الْجِنْسِ الزَّاجِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَفِّهِمْ وَزَجْرِهِمْ، وَرُتْبَةُ الْجِنْسِ الزَّاجِرِ مِنْ الثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَى زَجْرِهِ وَتِلَاوَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: هِيَ لِتَرْتِيبِ الْجُمَلِ فِي الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْخَبَرِيَّةِ فِي الْوُجُودِ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي الْمَعْنَى لِبُعْدِ الْمُهْلَةِ فِيهِ حَقِيقَةً. وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِهِ بِقَوْلِ:
إنَّ مَنْ سَادَ ثُمَّ سَادَ أَبُوهُ
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ الِابْنِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ لِتَفَاوُتِ رُتْبَةِ سِيَادَتِهِ مِنْ سِيَادَةِ أَبِيهِ.
وَمَجَازُ اسْتِعْمَالِهَا لِتَفَاوُتِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْمُهْلَةِ وَالتَّفَاوُتُ بِمُهْلَةٍ فِي الْمَعْنَى، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَدْرًا مُشْتَرَكًا وَهُوَ الِانْفِصَالُ. قُلْت: وَهَذَا طَرِيقٌ آخَرُ لِلتَّرْتِيبِ وَهُوَ التَّرْتِيبُ بِالرُّتَبِ. أَعْنِي تَفَاوُتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute