للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَانْتَصَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ لِلْإِمَامِ، وَقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ كَلِمَةَ " إنَّمَا " هَكَذَا لِلْحَصْرِ كَسَائِرِ الْكَلِمَاتِ الْمُرَكَّبَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِمَعْنًى، لَا أَنَّ لَفْظَةَ " إنَّ " وَلَفْظَةَ " مَا " رُكِّبَتَا وَبَقِيَتَا عَلَى أَصْلِهِمَا حَتَّى لَا يَرِدَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضَاتُ، وَمَا ذَكَره الْإِمَامُ بَيَانُ وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ النَّقْلُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ قَوْلَك: " مَا " لِنَفْيِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ كَنَفْيِ غَيْرِ قِيَامِ زَيْدٍ فِي قَوْلِك: إنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِنَفْيِ قِيَامِ غَيْرِ زَيْدٍ؟ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ كَوْنُ " مَا " هُنَا لِلنَّفْيِ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَشْتَمَّ رَائِحَةَ النَّحْوِ. قُلْت: قَدْ حَكَاهُ فِي الْمَحْصُولِ " عَنْ الْفَارِسِيِّ فِي الشِّيرَازِيَّاتِ " أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ النَّحْوِيِّينَ، قَالَ: وَقَوْلُهُمْ حُجَّةٌ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ فِي الْمُغْنِي " لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ الْفَارِسِيُّ فِي الشِّيرَازِيَّاتِ " وَلَا قَالَهُ نَحْوِيٌّ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي الشِّيرَازِيَّاتِ " أَنَّ الْعَرَبَ عَامَلُوا " إنَّمَا " مُعَامَلَةَ النَّفْيِ، وَإِلَّا فِي فَصْلِ الضَّمِيرِ. قُلْت: سَبَقَ مِنْ كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إشْرَابَهَا مَعْنَى النَّفْيِ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ مِنْ أَئِمَّةِ النَّحْوِيِّينَ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ " مَا نَصُّهُ: تَأَوَّلَ قَوْمٌ " إنَّمَا " عَلَى مَعْنَى مَا وَإِلَّا، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:

وَإِنَّمَا ... يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلِي

وَهَذَا قَوْلٌ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [الأعراف: ٣٣] أَيْ مَا حَرَّمَ إلَّا الْفَوَاحِشَ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَتَبَيَّنُ صِحَّتَهُ عِنْدَنَا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: ١٠٥] . انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>