وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْحَصْرِ لَكِنَّهُ مَجَازِيٌّ.
الثَّالِثَةُ: " إنَّ " لِلتَّأْكِيدِ وَ " مَا " حَرْفٌ زَائِدٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَلَا فَائِدَةَ لَهُمَا مُجْتَمَعَيْنِ إلَّا الْحَصْرَ؛ لِأَنَّهُ تَأْكِيدٌ ثَانٍ، وَهَذَا حَكَاهُ السَّكَّاكِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى وَاسْتَلْطَفَهُ. وَحَكَاهُ ابْنُ بَابْشَاذَ فِي شَرْحِ الْجُمَلِ " عَنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ عَنْ غَيْرِهِ لَيْسَ تَأْكِيدًا لِثُبُوتِهِ لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ. وَيَرُدُّهُ اجْتِمَاعُ " إنَّ " وَ " مَا " النَّافِيَتَيْنِ وَلَا يُفِيدُ إلَّا النَّفْيَ، وَكَذَلِكَ يَجْتَمِعُ الْمُؤَكِّدَانِ وَلَا يُفِيدُ إلَّا التَّأْكِيدَ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّفْيَ قَدْ يُنْفَى وَأَيْضًا فَإِنَّك تَقُولُ: قَامَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ وَلَيْسَ بِحَصْرٍ وَنَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّ زَيْدًا لَيَقُومَنَّ فَقَدْ حَصَلَ التَّأْكِيدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِاقْتِضَائِهِ الْحَصْرَ.
قَالَ الْقَاضِي الْعَضُدُ: وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الرَّبَعِيُّ مِنْ بَابِ إيهَامِ الْعَكْسِ، فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّ الْقَصْرَ تَأْكِيدٌ عَلَى تَأْكِيدٍ ظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ تَأْكِيدًا عَلَى تَأْكِيدٍ كَانَ حَصْرًا، وَأَيْضًا يَلْزَمُ تَخْصِيصُ كَوْنِهِ لِلْحَصْرِ بِمَا وَقَعَ فِي جَوَابِ الرَّدِّ لَكِنَّهُ لِلْحَصْرِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ. الرَّابِعَةُ: لِلْإِمَامِ فِي الْمَعَالِمِ " وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: أَنَّ أَهْلَ اللِّسَانِ فَهِمُوا ذَلِكَ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَهِمَ الْحَصْرَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» وَخَالَفَهُ الصَّحَابَةُ بِدَلِيلٍ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ رِبَا الْفَضْلِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي فَهْمِهِ الْحَصْرَ، فَكَانَ إجْمَاعًا. انْتَهَى، وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ نَظَرًا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةُ: «لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ» فَلَعَلَّهُ فَهِمَ الْحَصْرَ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ لَا مِنْ إنَّمَا وَلَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute