قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ تَقَدُّمَ الْحَظْرِ عَلَى الْأَمْرِ هَلْ هُوَ قَرِينَةٌ تُوجِبُ خُرُوجَهُ عَنْ مُقْتَضَاهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَمْ لَا؟ فَالْقَائِلُونَ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ لَا يَرَوْنَهُ قَرِينَةً مُوجِبَةً لِلْخُرُوجِ عَنْ ذَلِكَ، وَالْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ يَرَوْنَ تَقَدُّمَ الْحَظْرِ قَرِينَةً خَارِجَةً لِلْأَمْرِ الْمُطْلَقِ عَنْ مُقْتَضَاهُ، وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا مُسْتَنَدَ لَهُمْ إلَّا دَعْوَى الْفَرْقِ فِي صَرْفِ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ عَنْ مُقْتَضَاهُ أَوْ دَعْوَى أَكْثَرِيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي ذَلِكَ، وَطَرِيقُهُمْ فِي ذَلِكَ إيرَادُ النَّظَائِرِ، كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ} [المائدة: ٢] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: ١٠] ، وَإِلَّا فَلَا إشْكَالَ فِي إمْكَانِ الِانْتِقَالِ مِنْ بَعْضِ الْأَحْكَامِ إلَى بَعْضٍ كَيْفَ كَانَتْ. قَالَ: وَمِنْ هَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي هَذِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ اخْتَارَ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْوُجُوبِ قَائِمٌ وَالْوُجُودُ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا، وَقَرَّرَ كَوْنَ الْمَوْجُودِ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ مِنْ الْحَظْرِ إلَى الْوُجُوبِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ؛ لِأَنَّ الْإِمْكَانَ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، وَإِنَّمَا الْمُخَالِفُ يَدَّعِي أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ وَالْعُرْفَ دَالَّانِ عَلَى صَرْفِ الْأَمْرِ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ جَوَازُ الِانْتِقَالِ، وَإِنَّمَا الطَّرِيقُ مُنَازَعَةُ الْخَصْمِ فِي ذَلِكَ وَإِلْزَامُهُ لِلْحُجَّةِ عَلَى مَا قَالَ، وَأَمَّا النَّاظِرُ فِي نَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى اعْتِبَارِ الْإِطْلَاقَاتِ وَأَمْرِ الْعُرْفِ فَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ مَا ادَّعَاهُ الْمُخَالِفُ قَالَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ جَعَلَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ " الْمُعْتَزِلِيُّ، وَصَاحِبُ الْمَصَادِرِ " الشِّيعِيُّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَظْرُ السَّابِقُ شَرْعِيًّا، قَالَا: فَإِنْ كَانَ عَقْلِيًّا فَلَا خِلَافَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute