مَنْ " بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: ٩٥] وَالْمُعَلَّقُ بِلَفْظِ " مَنْ " لَا يَتَكَرَّرُ فِيهِ الْجَزَاءُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ، نَحْوُ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، لَا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِحْقَاقُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ. وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْمَحَامِلِيُّ، وَالْجُرْجَانِيُّ، فِي بَابِ الْحَجِّ مِنْ الْمُعَايَاةِ، فَقَالُوا: إنَّمَا لَمْ يَتَكَرَّرْ الْحُكْمُ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ الثَّانِي وَاقِعًا فِي مَحَلِّ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ، كَالْمِثَالِ السَّابِقِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْفِعْلُ الثَّانِي فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَيَتَكَرَّرُ، كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، وَلَهُ عِدَّةُ دُورٍ، فَدَخَلَ دَارًا لَهُ اسْتَحَقَّ دِرْهَمًا، ثُمَّ لَوْ دَخَلَ دَارًا أُخْرَى اسْتَحَقَّ دِرْهَمًا آخَرَ لَمَّا كَانَتْ الدَّارُ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى، كَذَلِكَ هَاهُنَا، لَمَّا كَانَ الصَّيْدُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ تَعَلَّقَ بِهِ مَا تَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ، يُرِيدُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَبَعْضِ نُسَخِ " الْحَاوِي " تَمْثِيلُ تَعَدُّدِ الْمَحَلِّ بِقَوْلِهِ: مَنْ دَخَلَ دُورِي، وَهُوَ أَقْرَبُ، وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ؛ بَلْ يَنْبَغِي فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا عِنْدَ دُخُولِهِ جَمِيعَ الدُّورِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ تَعَلَّقَ بِالْجَمِيعِ، وَقَالَ " الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي ": إذَا اشْتَرَكَ جَمْعٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ، فَعَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ جَزَاءٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: ٩٥] وَلَفْظَةُ " مَنْ " إذَا عَلَّقَ عَلَيْهَا الْجَزَاءَ اسْتَوَى حَالُ الْجَمَاعَةِ وَالْوَاحِدِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ، كَقَوْلِهِ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ، فَدَخَلَهَا وَاحِدٌ اسْتَحَقَّهُ، أَوْ جَمَاعَةٌ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا.
قَالَ: الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالشَّرْطُ إذَا عُلِّقَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِلَفْظِ " مَنْ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute