للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّيَّةَ لَوْ صَحَّتْ لَصَحَّتْ إمَّا فِي الْمَلْفُوظِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ هُوَ الْأَكْلُ وَهُوَ مَاهِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّعَدُّدَ فَلَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، فَإِنْ أُخِذَتْ مَعَ قُيُودٍ زَائِدَةٍ عَلَيْهَا تَعَدَّدَتْ، وَحِينَئِذٍ تَصِيرُ مُحْتَمِلَةً لِلتَّخْصِيصِ، لَكِنْ تِلْكَ الزَّوَائِدُ غَيْرُ مَلْفُوظٍ بِهَا فَالْمَجْمُوعُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمَاهِيَّةِ غَيْرُ مَلْفُوظٍ، فَيَكُونُ الْقَابِلُ لِنِيَّةِ التَّخْصِيصِ شَيْئًا غَيْرَ مَلْفُوظٍ، وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ إنْ جَازَ عَقْلًا لَكِنَّهُ بَاطِلٌ شَرْعًا، لِأَنَّ إضَافَةَ مَاهِيَّةِ الْأَكْلِ إلَى الْخُبْزِ تَارَةً وَإِلَى غَيْرِهِ أُخْرَى إضَافَاتٌ تَعْرِضُ لَهَا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَفْعُولِ فِيهِ. وَإِضَافَتُهَا إلَى هَذَا الْيَوْمِ وَذَاكَ وَهَذَا الْمَوْضِعِ وَذَاكَ إضَافَاتٌ عَارِضَةٌ لَهَا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَفْعُولِ فِيهِ، ثُمَّ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى التَّخْصِيصَ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَمْ يَصِحَّ، فَكَذَا التَّخْصِيصُ بِالْمَفْعُولِ بِهِ، وَالْجَامِعُ رِعَايَةُ الِاحْتِيَاطِ فِي تَعْظِيمِ التَّمْيِيزِ. هَذَا كَلَامُهُ.

وَالنَّظَرُ الدَّقِيقُ إنَّمَا هُوَ لِأَصْحَابِنَا، وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مَدْخُولٌ، وَقَوْلُهُ: الْأَكْلُ مَاهِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّعَدُّدَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ مَعَ قَرِينَةِ دُخُولِ حَرْفِ النَّفْيِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى التَّعَدُّدِ، سَلَّمْنَا أَنَّ الْمَلْفُوظَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَغَيْرُ الْمَلْفُوظِ يَقْبَلُهُ.

وَأُجِيبَ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ بِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بِالْمَنْعِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ النِّيَّةِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، كَمَا يَجُوزُ بِالْمَأْكُولِ الْمُعَيَّنِ بِلَا خِلَافٍ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت شَهْرًا، أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُقْبَلُ مِنْهُ، بِلَا فَرْقٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>