وَثَانِيهَا: أَنَّ قِيَاسَ الْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى الْمَفْعُولِ فِيهِ ظَاهِرُ التَّعَسُّفِ، لِأَنَّ الْمَفْعُولَ بِهِ مِنْ مُقَوِّمَاتِ الْفِعْلِ فِي الْوُجُودِ، لِأَنَّ أَكْلًا بِلَا مَأْكُولٍ مُحَالٌ، وَكَذَا فِي الذِّهْنِ فَهْمُ مَاهِيَّةِ الْأَكْلِ دُونَ الْمَأْكُولِ مُسْتَحِيلٌ، فَإِلْزَامُ الْأَكْلِ لِلْمَأْكُولِ وَاضِحٌ.
وَأَمَّا الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فَلَيْسَا مِنْ لَوَازِمِ مَاهِيَّةِ الْفِعْلِ، وَلَا مِنْ مُقَوِّمَاتِهِ، بَلْ هُمَا مِنْ لَوَازِمِ الْفَاعِلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ دَلَالَةَ الْفِعْلِ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَفْعُولِ فِيهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي تَعْلِيقِهِ: الْخِلَافُ الْمَفْهُومُ مِنْ اللَّفْظِ مُنْحَصِرٌ فِي ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ كَاسْمِ الْبَيْتِ لِلْبَيْتِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، وَمَا تَضَمَّنَهُ كَدَلَالَةِ اسْمِ الْبَيْتِ عَلَى السَّقْفِ وَالْحَائِطِ، وَمَا لَزِمَهُ لِضَرُورَةِ الْوُجُودِ، كَكَوْنِهِ ذَا ظِلٍّ وَاقِعٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
فَمِثَالُ الْأَوَّلِ: دَلَالَةُ لَفْظِ الْأَيْمَانِ عَلَى مَعْنَاهُ. وَمِثَالُ الثَّانِي: دَلَالَةُ الطَّلَاقِ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَالْمُطَلِّقَةِ. وَمِثَالُ الثَّالِثِ: دَلَالَتُهُ عَلَى زَمَانِ الطَّلَاقِ وَمَكَانِ الْمُطَلِّقِ.
أَمَّا الْمَوْضُوعُ فَيَحْتَمِلُ النِّيَّةَ بِالْإِجْمَاعِ كَلَفْظِ الْعَيْنِ وَالْقُرْءِ إذَا نَوَى بِهِ مُسَمَّيَاتِهِ، وَأَمَّا اللَّازِمُ فَلَا يَحْتَمِلُهَا كَمَا إذَا نَوَى زَمَانَ الطَّلَاقِ وَمَكَانَهُ، وَأَمَّا الْمَدْلُولُ فَمَحَلُّ الْخِلَافِ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ وَنَوَى بَعْضَ الْمَأْكُولَاتِ، هَلْ يُخَصُّ بِهِ يَمِينُهُ، فَإِنَّ الْمَأْكُولَاتِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَكْلُ كَثِيرَةٌ وَغَيْرُ مَلْفُوظَةٍ وَضْعًا؟ وَهَلْ يَقُومُ عُمُومُ الْمَدْلُولِ مَقَامَ عُمُومِ اللَّفْظِ حَتَّى يَحْتَمِلَ التَّخْصِيصَ بِنِيَّتِهِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ تَعْيِينَ زَمَانِ الْأَكْلِ لَغْوٌ فِي نِيَّتِهِ، وَالصَّحِيحُ إلْحَاقُ الْمَدْلُولِ بِالْمَوْضُوعِ، فَإِنَّهُ مُرَادُ اللَّافِظِ بِلَفْظِهِ، فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِنِيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمُقْتَضَى؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute