وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُخَرَّجُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: فَإِنَّهُ قَالَ فِي " الْأُمِّ " فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: ١٩٦] الْآيَةَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا فَتَطَيَّبَ، أَوْ لَبِسَ، أَوْ أَخَذَ ظُفْرَهُ، لِأَجْلِ مَرَضِهِ، أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَحَلَقَهُ فَفِدْيَةٌ، فَقُدِّرَ جَمِيعُ الْمُضْمَرَاتِ؟ وَقَالَ فِي " الْإِمْلَاءِ " لَيْسَ هَذَا مُضْمَرًا فِي الْآيَةِ، وَإِنَّمَا تَضَمَّنَهُ حَلْقُ الرَّأْسِ فَقَطْ، وَالْبَاقِي مَقِيسٌ عَلَيْهِ، فَقَدَّرَهُ خَاصًّا.
وَقَدْ حَكَى الْبَصِيرُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " الْحَاوِي " وَ " الْحَاصِلِ " أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَحَكَاهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي " شَرْحِ الْمَحْصُولِ " عَنْ " شَرْحِ اللُّمَعِ " لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ عَامٌّ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ. وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَصَحَّحَهُ وَالنَّوَوِيُّ فِي " الرَّوْضَةِ " فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، فَقَالَ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ النَّاسِي؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِضَاءِ عَامَّةٌ، يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي» فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: حُكْمُ الْخَطَأِ أَوْ إثْمُهُ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَقَاعِدَةُ الشَّافِعِيِّ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، وَلِهَذَا كَانَ كَلَامُ النَّاسِي عِنْدَهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ أَبْطَلَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى عَدَمَ عُمُومِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ فِي كُلِّ مَا يَصِحُّ التَّقْدِيرُ بِهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute