وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «سَبَقَ الْمُفْرِدُونَ، هُمْ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ» فَلَوْلَا دُخُولُهَا فِيهِ لَمْ يَحْسُنْ التَّفْسِيرُ بِذَلِكَ.
رَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ انْدِرَاجَ النِّسَاءِ تَحْتَ لَفْظِ الْمُسْلِمِينَ بِقَضِيَّةِ التَّغْلِيبِ، لَا بِأَصْلِ الْوَضْعِ، إذْ اللَّفْظُ لَمْ يُوضَعْ لَهُنَّ، وَهَذَا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ.
وَقَالَ الْإِبْيَارِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالنُّحَاةِ أَنَّ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُؤَنَّثَ بِحَالٍ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إلَى تَنَاوُلِهِ الْجِنْسَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ اشْتِرَاكُ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي الْأَحْكَامِ لَمْ تَقْصُرْ الْأَحْكَامُ عَلَى الذُّكُورِ قَالَ: وَإِذَا حَكَمْنَا بِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُمَا فَهَلْ تَقُولُ: اجْتَمَعَ فِي اللَّفْظِ مُوجِبُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؟ أَوْ يَكُونُ جَمِيعًا مَجَازًا صِرْفًا؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَقِيَاسُ مَذْهَبِ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مَجَازًا صِرْفًا، وَقِيَاسُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ مُوجِبُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. انْتَهَى. وَحَاصِلَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ لُغَةً حَقِيقَةٌ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي ظُهُورِهِ لِاشْتِهَارِهِ عُرْفًا وَغَيْرُهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ، وَجَعَلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مَحَلَّهُ مَا إذَا وَرَدَ الْجَمْعُ مُجَرَّدًا، أَمَّا لَوْ ذُكِرْنَ مَعَ الرِّجَالِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: يَا أَيُّهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ مَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، فَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِهِنَّ فِي الْخِطَابِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، فَإِنَّهُ وَافَقَ عَلَى الدُّخُولِ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِرِجَالٍ وَنِسَاءٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: أَوْصَيْت لَكُمْ بِكَذَا، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ النِّسَاءُ اتِّفَاقًا بِقَرِينَةِ الْإِيصَاءِ الْأَوَّلِ.
قَالَ الْهِنْدِيُّ: وَكَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يُشْعِرُ بِتَخْصِيصِ الْخِلَافِ بِالْخِطَابَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute