تَخْفِيفِهِ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: ٢٠] قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: وَذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْأَسْبَابَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَسْبَابٌ تَقْتَضِي لِأَجْلِهَا الْحُكْمَ فِي الِابْتِدَاءِ، فَيَدْخُلُ الْمُتَعَقِّبُ وَالِابْتِدَاءُ.
وَالثَّانِي: لِأَجْلِهَا كَانَ الْحُكْمُ، وَمَا يَرْتَفِعُ السَّبَبُ إلَّا يَرْتَفِعُ الْحُكْمُ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يُتَأَمَّلَ الْخِطَابُ. فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ عَامًّا عَمَّمْنَاهُ، وَلَمْ يُرَاعَ السَّبَبُ، وَإِنْ كَانَتْ الرُّخْصَةُ مَنُوطَةً بِالسَّبَبِ عَلَّقْنَاهُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى السَّبَبُ إلَى غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْأَسْبَابُ كُلُّهَا. تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَنْ لَا تَظْهَرَ قَرِينَةٌ تُوجِبُ قَصْرَهُ عَلَى السَّبَبِ مِنْ الْعَادَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ ظَهَرَتْ وَجَبَ قَصْرُهُ بِالِاتِّفَاقِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ فِي الْمُعْتَمَدِ، وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ، كَقَوْلِهِ فِي جَوَابِ تَغَدَّ عِنْدِي: وَاَللَّهِ لَا تَغَدَّيْت، فَالْعَادَةُ تَقْتَضِي قَصْرَ الْغَدَاءِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، يَعْنِي: فَلَا يَحْنَثُ إذَا تَغَدَّى عِنْدَ غَيْرِهِ. وَكَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: كَلِّمْ زَيْدًا، أَوْ كُلْ هَذَا الطَّعَامَ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت، وَلَا كَلَّمْت، فَإِنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ قَصْدَهُ تَخْصِيصُ الْيَمِينِ بِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَعِنْدَ هَذِهِ الْقَرِينَةِ لَا خِلَافَ فِي قَصْرِهِ عَلَى السَّبَبِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ. قَالَ: وَالطَّرِيقُ إلَى هَذِهِ الْقَرِينَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ مُتَعَذِّرٌ، لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ، أَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى مَا خَرَجَ عَلَيْهِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ عُمُومَ اللَّفْظِ: هَذَا فِي الْمُطْلَقِ الَّذِي لَا يَتَقَدَّمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute