فَإِنَّ مَنْ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ، يَبْقَى فِي بَقِيَّةِ عُمُرِهِ حَاسِرَ الرَّأْسِ، مُجَرَّدًا عَنْ اللِّبَاسِ، مُحَرَّمًا عَلَيْهِ كُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ، بَعِيدٌ شَرْعًا. وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ الْكَلَامَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِحَدِيثِ: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» . قَالَ: وَلَوْ جَازَ الْكَلَامُ فِي مَصْلَحَتِهَا لَمَا أُمِرَ الْمَأْمُورُ فِي ذَلِكَ إذَا نَابَ الْإِمَامَ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُ مَالِكًا إخْرَاجُ مَحَلِّ السَّبَبِ مِنْ الْعُمُومِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ عَلَى شَيْءٍ نَابَ أَبَا بَكْرٍ فِي صَلَاتِهِ، لَمَّا صَلَّى بِهِمْ وَصَفَّقُوا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ» ، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ السَّبَبِ، وَيُعْتَبَرُ اللَّفْظُ، حَتَّى لَوْ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ شَخْصٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ فَإِنَّهُ يُفَهِّمُهُ بِالتَّسْبِيحِ.
السَّابِعُ: أَوْرَدَ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّ السَّبَبَ دَاخِلٌ قَطْعًا أَنَّهُ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَالْحُكْمُ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ حِينِ نُزُولِهَا فَكَيْفَ يَنْعَطِفُ عَلَى مَا مَضَى؟ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ شَمِلَهُ الظِّهَارُ وَأَمْثَالُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ وَارِدٌ عَلَى سَبَبٍ. وَيَخُصُّ آيَةَ الظِّهَارِ وَاللِّعَانِ إشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ " الَّذِينَ " فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٣] مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ " فَتَحْرِيرُ " أَيْ فَكَفَّارَتُهُمْ تَحْرِيرُ، وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. وَجَازَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَتَضَمُّنِ الْخَبَرِ مَعْنَى الْجَزَاءِ. فَإِذَا أُرِيدَ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ مُسْتَحَقٌّ بِالصِّلَةِ دَخَلَتْ الْفَاءُ حَتْمًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَقًّا بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. كَمَا لَوْ قِيلَ: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ عَلَيْهِمْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَإِنْ كُنَّا نَقُولُ: إنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِنَصٍّ وَدُخُولُ الْفَاءِ نَصٌّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute