وَالْحَنَفِيَّةُ يَجْعَلُونَ الْمُضْمَرَ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْمُضْمَرَ فِي الْأُولَى. وَقَالُوا: حَرْفُ الْعَطْفِ يَجْعَلُ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ وَتَفَاصِيلِهِ، وَسَاعَدَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، حَتَّى قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: كَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ جِدًّا. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ.
وَفَصَّلَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بَيْنَ أَنْ يُقَيَّدَ الْمَعْطُوفُ بِقَيْدٍ غَيْرِ قَيْدِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَلَا يُضْمَرُ فِيهِ، وَأَنْ يُطْلَقَ فَيُضْمَرُ فِيهِ، وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ بِتَخْصِيصِ الْعَامِّ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِخُصُوصِ الْخَاصِّ الْمَعْطُوفِ فِيمَا هُوَ مَخْصُوصُ الْمَادَّةِ كَالْحَدِيثِ، وَنَحْوِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ، كَمَا لَوْ قَالَ: ضَرَبْت زَيْدًا وَعَمْرًا قَائِمًا فِي الدَّارِ، فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ هُنَا خَاصٌّ، وَهُوَ أَنَّ ضَرَبْت فِي حَالِ قِيَامِهِ وَحَالَ كَوْنِهِ فِي الدَّارِ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ عَامٌّ، فَلَا يَقُولُونَ بِتَخْصِيصِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
وَالضَّابِطُ أَنَّ لِلْجُمْلَتَيْنِ الْمُتَعَاطِفَتَيْنِ أَحْوَالًا:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّضِحُ كَوْنُ الثَّانِيَةِ مُسْتَقِيمَةً، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَمِنْهُ فَرِيقٌ لَمْ يُتَرْجِمْ الْمَسْأَلَةَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْعَامِّ، هَلْ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، فَإِذَا عَطَفْت جُمْلَةً عَلَى أُخْرَى، وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا، وَكَانَتْ الْمُشَارَكَةُ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ لَا فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ، وَقَدْ لَا يَقْتَضِي مُشَارَكَةً أَصْلًا، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ} [الشورى: ٢٤] فَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} [الشورى: ٢٤] جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا، وَلَا هِيَ دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَتَّضِحَ اسْتِقَامَتُهَا إلَّا بِتَقْدِيرٍ وَإِضْمَارٍ، وَهَذَا مَوْضِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute