للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَامِسُ: آيَةُ الْمُحَارَبَةِ السَّابِقَةِ. وَأَمَّا الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ، فَمِنْهَا أَنَّ ظِهَارَ الذِّمِّيِّ عِنْدَهُ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى عَقِبَ قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} [المجادلة: ٣] {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة: ٢] ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ. فَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} [المجادلة: ٢] .

وَمِنْهَا: أَنَّ إيلَاءَ الذِّمِّيِّ عِنْدَهُ صَحِيحٌ، مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى عَقِبَهُ: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُخَصِّصًا.

فَخَرَجَ مِنْ هَذَا أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ تَخْصِيصٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ كَلَامِهِ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُخَصِّصِ، فَيُعْمَلُ بِهِ، كَإِيلَاءِ الذِّمِّيِّ، وَظِهَارِهِ.

وَقَدْ مَثَّلُوا الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: ٢٣٧] بَعْدَ قَوْلِهِ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: ٢٣٦] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَفْوَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْبَالِغَةِ الرَّشِيدَةِ، فَهَلْ يَتَخَصَّصُ النِّسَاءُ بِهِنَّ؟ قَالَ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ: وَهَذَا لَيْسَ بِوِزَانِ الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ لَمْ يُذْكَرْ بَعْدَهُ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] فَقَدْ ذَكَرَ حُكْمَ الْبُلَّغِ، وَحُكْمَ غَيْرِهِنَّ.

وَمِثَالُ الصِّفَةِ قَوْلُهُ: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] ، بَعْدَ قَوْلِهِ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] وَيَعْنِي بِالْأَمْرِ الرَّغْبَةَ فِي رَجْعَتِهِنَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِي الْبَائِنَةِ، فَكَانَ الْأَوَّلُ عَامًّا فِي الْمُطَلَّقَاتِ. قَالَ الْقَفَّالُ: وَلِهَذَا جَعَلَ أَصْحَابُنَا قَوْلَهُ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق: ١] فِيمَا يَمْلِكُ الزَّوْجَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١]

<<  <  ج: ص:  >  >>