غَيْرِ دَلَالَةٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي. فَإِذَا سَلِمَ هَذَا لَمْ يَبْقَ تَحْتَ قَوْلِنَا: إنَّهُ مَجَازٌ فِيمَا بَقِيَ مَعْنًى. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: هَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي كَوْنَهُ مَجَازًا ضَعِيفٌ، أَمَّا عَلَى قَاعِدَةِ أَصْحَابِنَا فِي إثْبَاتِ كَلَامِ النَّفْسِ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِقَوْلِهِ: مَنْ دَخَلَ دَارِي مِنْ الْعُلَمَاءِ فَلَهُ دِرْهَمٌ، لَمْ يُبَيِّنْ أَوَّلَ كَلَامِهِ عَلَى قَصْدِ غَيْرِ الْعُلَمَاءِ أَصْلًا، فَكَلَامُ النَّفْسِ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْعُلَمَاءِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، لَا قَبْلَ التَّخْصِيصِ وَلَا بَعْدَهُ وَهِيَ فِي كَلَامِهِ سُبْحَانَهُ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ، لِعِلْمِهِ بِمُرَادِهِ قَطْعًا، بَلْ تَعْبِيرُهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ إنَّمَا كَانَ تَوْطِئَةً لِلْإِتْيَانِ بِالْخُصُوصِ، كَالْجِنْسِ مَثَلًا فِي عُمُومِ مَعْنَاهُ عِنْدَمَا تُورِدُهُ فِي تَحْدِيدِ النَّوْعِ، فَإِنَّك تَأْتِي بِهِ عَامًّا ثُمَّ تُخَصِّصُهُ بِاقْتِرَانِ الْفَصْلِ بِهِ، فَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ أَوَّلِ الْقَصْدِ أَصْلًا مُرَادًا، فَكَذَلِكَ فِي تَخْصِيصِ اللَّفْظِ الْعَامِّ، إذْ الْعُمُومُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ مَعْقُولَةٌ فِي عُمُومِ اللَّفْظِيِّ كَالْمَعْنَوِيِّ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ خَارِجٌ عَنْ الْمَذَاهِبِ السَّابِقَةِ. قَالَ: وَأَمَّا عَلَى قَاعِدَةِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي إنْكَارِهِمْ النَّفْسِيِّ فَهُوَ الْحَدُّ، إذَا تَصَوَّرَ اللَّفْظُ فِي الذِّهْنِ لِلتَّلَفُّظِ بِهِ، فَيَكُونُ الْخُصُوصُ إذَنْ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ. وَأَمَّا عِلْمُ السَّامِعِ بِالْعُمُومِ فَلَا يُعْتَبَرُ إذْ لَيْسَ لَهُ أَمْرٌ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ، وَهُوَ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهُ مُخَرَّجًا مِنْهُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ، فَإِرَادَةُ إخْرَاجِ بَعْضِ الْمَدْلُولِ: هَلْ تُعَيِّنُ اللَّفْظَ مُرَادًا بِهِ الْبَاقِي أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ كَانَ حَقِيقَةً، وَإِلَّا فَلَا.
أَمَّا الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَجَازٌ قَطْعًا، وَلَا يَطْرُقُهُ هَذَا الْخِلَافُ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي بَعْضِ مَدْلُولِهِ، إلَّا إذَا قُلْنَا: إنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي كُلِّ فَرْدٍ فَيَطْرُقُهُ الْخِلَافُ وَهُوَ بَعِيدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute