للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ: الْقَائِلُ بِهَذَا، إنْ كَانَ مِمَّنْ يُنْكِرُ الْعُمُومَ، فَقَدْ أَثْبَتْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُثْبِتُهُ فَمِنْ نَفْسِ قَوْلِهِ يَسْقُطُ قَوْلُهُ هَذَا، لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ عَمَّا بَقِيَ لِأَنَّ الْبَعْضَ خَصَّ، وَمَا لَمْ يُخَصَّ دَاخِلٌ، وَلَمْ يَمْتَنِعْ فِيمَا جَاءَ عَامًّا لِإِمْكَانِ خُصُوصِهِ، فَلَا يُحْكَمُ بِهِ، حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يُخَصَّ.

وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ: ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْجُبَّائِيُّ وَابْنُهُ إلَى أَنَّ الصِّيغَةَ الْمَوْضُوعَةَ إذَا خُصَّتْ صَارَتْ مُجْمَلَةً، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهَا فِي بَقِيَّةِ الْمُسَمَّيَاتِ إلَّا بِدَلِيلٍ كَسَائِرِ الْمَجَازَاتِ، وَإِلَيْهِ مَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ.

وَقَالَ الْمُقْتَرِحُ: هَذَا الْمَذْهَبُ يُعْتَبَرُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ بِمَا هُوَ كُلٌّ، وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ كُلُّ وَاحِدٍ، فَإِذَا تَبَيَّنَ بِالتَّخْصِيصِ أَنَّ الْكُلَّ لَيْسَ مُرَادًا بَقِيَ اللَّفْظُ مُجْمَلًا، لَا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ وَلَيْسَ بَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، فَكَانَ مُجْمَلًا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِصِفَةِ الظُّهُورِ، فَإِذَا وَرَدَ التَّخْصِيصُ، تَبَيَّنَ أَنَّ الشُّمُولَ لَيْسَ مُرَادًا، فَيَبْقَى اللَّفْظُ مُجْمَلًا، فَيَكْتَسِبُ الْإِجْمَالَ.

وَالثَّالِثُ: إنْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ فَلَا؛ بَلْ يَصِيرُ مُجْمَلًا. وَحَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْكَرْخِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ، وَكَذَا حَكَاهُ صَاحِبُ " الْمُعْتَمَدِ " عَنْ الْكَرْخِيِّ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ فِي أُصُولِهِ: كَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ فِي الْعَامِّ: إذَا ثَبَتَ خُصُوصُهُ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِاللَّفْظِ، وَصَارَ حُكْمُهُ مَوْقُوفًا

<<  <  ج: ص:  >  >>