الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " الْإِقْرَارِ ": لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَبْدًا، فَقَدْ اسْتَثْنَى الْعَبْدَ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَلَيْسَ الْعَبْدُ مِنْ جِنْسِهَا. قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا قِيمَةَ الْعَبْدِ، وَهُوَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَجْرَاهُ مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْجِنْسِ.
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: ٣٠] {إِلا إِبْلِيسَ} [الحجر: ٣١] مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَالْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا} [البقرة: ٣٤] أَيْ الْمَلَائِكَةُ وَإِبْلِيسُ، فَحُذِفَ، فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْمُضْمَرِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْأَمْرِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ.
قَالَ: وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ بِدَلِيلٍ، فَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَا. وَمِمَّنْ اخْتَارَ الْمَنْعَ مِنْ أَصْحَابِنَا إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ، وَابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ، وَنَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ الْحَنَفِيَّة، وَالْأُسْتَاذِ ابْنِ دَاوُد، وَحَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: الْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ فِي الْإِقْرَارِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا عَدَاهُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَاوَرْدِيِّ قَالَ: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّتِهِ فِي الْإِقْرَارِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْإِقْرَارِ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَالثَّالِثَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ، نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ. قَالَ: وَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ دُونَ الْعَدَدِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، فَإِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا أَلْفًا جَوَّزَهُ نَظَرًا إلَى قِيمَةِ الْمُسْتَثْنَى، فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً فَمَا زَادَ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَهَا صَحَّ، وَأَلْزَمَ مَا بَقِيَ، وَلِهَذَا أَنْكَرَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ الْخِلَافَ فِيهِ، وَقَالَ: لَمْ يَسْتَعْمِلْ اللُّغَوِيُّونَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا. وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ، قَالَ: وَحَقِيقَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا انْطَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute