للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى التَّعَرُّضِ بِمَا يُنْبِئُ عَنْهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ جِنْسًا، فَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الْحَقِيقِيُّ، كَقَوْلِك: رَأَيْت النَّاسَ إلَّا زَيْدًا. قَالَ: وَقَدْ تَرِدُ صِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِلَا خِلَافٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: ٣٠] {إِلا إِبْلِيسَ} [الحجر: ٣١] وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٧٧] {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: ٩٢] وَالْخَطَأُ لَا يَنْدَرِجُ تَحْتَ التَّكْلِيفِ، قَالَ: وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَمَّى هَذَا الْجِنْسُ اسْتِثْنَاءً عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ لَا، وَالْأَظْهَرُ الْمَنْعُ.

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا ثَوْبًا، فَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ اسْتِثْنَاءُ الشَّيْءِ مِنْ جِنْسِهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى إلَّا قِيمَةَ ثَوْبٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ أَنْكَرَ هَذَا فَقَدْ جَوَّزَ اسْتِثْنَاءَ الْمَكِيلِ مِنْ الْمَكِيلِ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَاسْتِثْنَاءَ الْمَوْزُونِ مِنْ الْهَيْكَلِ. اهـ.

وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ تَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَمِنْهُمْ الْآمِدِيُّ فِي الْإِحْكَامِ فَقَالَ: ذَهَبَتْ الْحَنَفِيَّة وَالْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاخْتَارَ التَّوَقُّفَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَانِعَ لَا يُسَمَّى مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً، بَلْ يَجْعَلُ " إلَّا " بِمَعْنَى لَكِنْ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ مَا يَقْتَضِيه.

وَحَكَى الْمَازِرِيُّ فِي التَّعْلِيقَةِ " ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: صِحَّتُهُ، وَالِاعْتِدَادُ بِهِ مُطْلَقًا، وَعَزَاهُ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>