لِضَرُورَةٍ إلَيْهِ، كَاسْتِثْنَاءِ الْكُسُورِ، كَقَوْلِهِ: لَهُ عِنْدِي مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا رُبْعَ دِرْهَمٍ، أَوْ إلَّا نِصْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالُوا: قَوْلُك: مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةً، يَعْنِي لَهُ عِنْدِي تِسْعُونَ، فَنُقِضَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: ١٤] وَفِي هَذَا اسْتِثْنَاءُ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ كَسْرًا فِي الْعَدَدِ، فَأَجَابُوا بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْكَسْرِ، لِأَنَّ التَّجْزِئَةَ الْمُقْتَرَحَةَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الْعُشْرِ، وَهَذَا كَالْكَسْرِ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ مِنْ الْأَلْفِ كَنِصْفِ الْعُشْرِ، فَصَارَ فِي مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ الْكَسْرِ وَهَذَا مَرْدُودٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَتَكَلُّفٌ فِيهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ.
وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرِ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلنُّحَاةِ:
أَحَدُهُمَا: يَمْتَنِعُ، وَعَلَيْهِ الزَّجَّاجُ، وَقَالَ: وَلَمْ تَرِدْ بِهِ اللُّغَةُ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا نَقَصَ يَسِيرًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ ذَلِكَ الشَّيْءِ، فَلَوْ اسْتَثْنَى أَكْثَرَ لَزَالَ الِاسْمُ.
وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: لَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي مِائَةٌ إلَّا سَبْعَةً وَتِسْعِينَ، مَا كَانَ مُتَكَلِّمًا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ عَبَثًا مِنْ الْقَوْلِ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَاب " الْمَسَائِلِ ": لَا يَجْرِي فِي اللُّغَةِ، لِأَنَّ تَأْسِيسَ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى تَدَارُكِ قَلِيلٍ مِنْ كَثِيرٍ أَغْفَلْتَهُ أَوْ نَسِيتَهُ لِقِلَّتِهِ، ثُمَّ تَدَارَكْته بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَنْقُصُ نُقْصَانًا يَسِيرًا، فَلَا يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الشَّيْءِ، وَأَمَّا مَعَ الْكَثْرَةِ فَيَزُولُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إنَّهُ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ النُّحَاةِ، وَأَجَازَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْهُمْ، وَأَجَازَهُ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ، نَحْوُ: لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً. فَيَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ. وَهُوَ قَوْلُ السِّيرَافِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ مِنْ النُّحَاةِ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: ٤٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute