وَذَكَرَ الْمَازِرِيُّ وَجْهًا آخَرَ: وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ السَّامِعُ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقْبُحُ إذَا اسْتَثْنَى مَا يَعْلَمُ السَّامِعَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَبْقَاهُ. وَنَقَلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْعَ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَارَهُ الْأَشْعَرِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ فِي " شَرْحِ التَّلْقِينِ " عَنْ ابْنِ دُرُسْتَوَيْهِ، قَالَ: وَذُكِرَ أَنَّهُ نَاظَرَ فِي ذَلِكَ أَبَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَذَكَرَ فِي " شَرْحِ الْبُرْهَانِ " أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَيْنِ، وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي " الْإِفَادَةِ "، وَهُوَ غَرِيبٌ.
وَمِنْ شُبَهِ الْمُجَوِّزِينَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُخَصَّصِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَا خُصِّصَ أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ فِي الْعُمُومِ، فَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إذَا قُلْنَا إنَّ اللُّغَةَ تَثْبُتُ قِيَاسًا، فَإِنْ مَنَعْنَاهُ لَمْ يَتِمَّ، وَكَثِيرًا مَا يَتَّحِدُ الْمَعْنَى، وَتَخْتَلِفُ أَحْكَامُ إعْرَابِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ يَحْسُنُ إخْرَاجُ أَكْثَرِ الْعُمُومِ بِغَيْرِ حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَيَصِحُّ بِهِ، ثُمَّ الْمَانِعُونَ لِلْأَكْثَرِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْقَلِيلِ الَّذِي يُسْتَثْنَى، فَقَالَ ابْنُ مُغِيثٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: هُوَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ.
وَأَمَّا الْمُسَاوِي، فَمَنْ جَوَّزَ الْأَكْثَرَ فَهُوَ هُنَا أَجْوَزُ، وَمَنْ مَنَعَهُ اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ. وَطَرَدَ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ فَأَلْحَقَهُ بِأَكْثَرَ فِي الْمَنْعِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ، وَاحْتَجَّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ النِّصْفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: ٢] {نِصْفَهُ} [المزمل: ٣] فَالضَّمِيرُ فِي (نِصْفَهُ) عَائِدٌ عَلَى اللَّيْلِ قَطْعًا، (وَنِصْفَهُ) بَدَلٌ، فَإِمَّا مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ، فَيَكُونُ إلَّا قَلِيلًا نِصْفًا، وَإِمَّا مِنْ قَلِيلٍ. فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِاللَّيْلِ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَرُبَّمَا تَمَسَّكَ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالْأَكْثَرِ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ: (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ نِصْفَهُ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ، أَيْ: قُمْ نِصْفَهُ، لَا بَدَلَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute