للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْآخَرِ، أَوْ أَحَدُهُمَا قَضِيَّةٌ وَالْأُخْرَى قَضِيَّةٌ أُخْرَى، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَرَضَهُ مِنْ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ أَدَلَّ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْغَرَضِ بِالْكَلَامِ مِنْ الْعُدُولِ عَنْهُ إلَى نَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْكَلَامِ. وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: مَنْ اسْتَقَامَتْ طَرِيقَتُهُ فَأَكْرِمْهُ، وَمَنْ عَصَاك فَاضْرِبْهُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ أَيْضًا. انْتَهَى.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ صَلُحَ الْعَوْدُ إلَى الْكُلِّ عَادَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا تَحْرِيرٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا سَيَأْتِي، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مَذْهَبًا آخَرَ.

وَقَالَ فِي الْمُقْتَرَحِ: لَا خِلَافَ فِي صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لِعَوْدِهِ إلَى الْجَمِيعِ أَوْ الْبَعْضِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَخِيرَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ أَوْ بِالْعَكْسِ؟ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِالثَّانِي، وَالشَّافِعِيُّ بِالْأَوَّلِ.

وَقَالَ صَاحِبُ " الْمَصَادِرِ ": الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوعِ مِنْ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ، هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هِيَ فَرْعٌ، حَدَاهُمْ هَذَا الِاخْتِلَافُ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ لِذَلِكَ الْفَرْعِ، لَا أَنَّهُمْ ذَهَبُوا فِيمَا هُوَ فَرْعُ هَذَا الْأَصْلِ إلَى مَذَاهِبَ، ثُمَّ رَتَّبُوا عَلَيْهِ هَذَا الْأَصْلَ، لِأَنَّ هَذَا عَكْسُ الْوَاجِبِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفَرْعَ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَصْلِهِ، وَيَسْتَوِي عَلَيْهِ لَا أَنْ يَتَرَتَّبَ الْأَصْلُ عَلَى فَرْعِهِ وَيَسْتَوِي عَلَيْهِ عَلَى مِقْدَارِ الْمُبْتَاعِ فِي أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يَسْتَقِيمُ، إذًا الصَّحِيحُ الْمُسْتَقِيمُ أَنْ يَسْتَوِيَ مِقْدَارُ الْمُبْتَاعِ الْمَوْزُونِ عَلَى الصَّنْجَةِ الْمُعْتَدِلَةِ. انْتَهَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْقَوْلِ بِعَوْدِهِ إلَى الْجَمِيعِ عِنْدَنَا شُرُوطًا:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْجُمَلُ مُتَعَاطِفَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَطْفٌ، فَلَا يَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ قَطْعًا، بَلْ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ إذْ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّرْطِ الْقَاضِيَانِ: أَبُو بَكْرٍ فِي " التَّقْرِيبِ "، وَأَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>