وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَالْآمِدِيَّ، وَابْنُ السَّاعَاتِيِّ، وَالْهِنْدِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا مَنْ أَطْلَقَ فَأَمْرُهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ. وَأَمْثِلَتُهُمْ وَكَلَامُهُمْ يُرْشِدُ إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِحَالَةِ الْعَطْفِ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: لَوْ قَالَ: يَا طَالِقُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْصَرِفٌ إلَى الثَّلَاثَةِ، وَوَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِقَوْلِهِ: يَا طَالِقُ، وَلَوْ كَانَ الْعَطْفُ يُشْتَرَطُ، لَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ عَائِدًا إلَى الْجَمِيعِ
وَأَمَّا مَا فَهِمَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَفْ، فَغَرَّهُ إطْلَاقُ الرَّازِيَّ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَطْفٌ فَلَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا. نَعَمْ، ذَكَرَ الْبَيَانِيُّونَ أَنَّ تَرْكَ الْعَطْفِ قَدْ يَكُونُ لِكَمَالِ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: ٢] فَإِذَا كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ فَلَا يَبْعُدُ مَجِيءُ الْخِلَافِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ كَالْمُؤَكِّدَةِ لِلْأُولَى، فَيَعُودُ لِلْجَمِيعِ قَطْعًا.
وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ بَابَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ بِهِ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَصَدَ التَّأْكِيدَ أَنَّهُ يَعُودُ لِلْجَمِيعِ. وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا. وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَائِدَةٌ إلَى الثَّلَاثِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ، نَعَمْ، قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي " كِتَابِ الْأَيْمَانِ " فِيمَا لَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ، عَبْدِي حُرُّ، أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَلَا يُعْتَقُ. قَالَ: وَلْيَكُنْ هَذَا فِيمَا إذَا نَوَى صَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ أَطْلَقَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْجُمْلَةِ الْأُولَى، أَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute