الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْجُمَلِ تَنَاسُبٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا تَنَاسُبٌ لَا يَصِحُّ الْعَطْفُ فَضْلًا عَنْ إرَادَةِ الْبَعْضِ أَوْ الْكُلِّ. وَهَذَا الشَّرْطُ اعْتَبَرَهُ الْبَيَانِيُّونَ فِي صِحَّةِ عَطْفِ الْجُمَلِ، فَمَنَعُوا عَطْفَ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَعَكْسَهُ. وَوَافَقَهُمْ ابْنُ مَالِكٍ، لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّحْوِيِّينَ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا.
وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَحْسُنُ التَّمْثِيلُ بِآيَةِ الْقَذْفِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ. عُطِفَتْ عَلَى إنْشَائِيَّةٍ؛ لَكِنْ يُقَالُ: وَإِنْ كَانَتْ خَبَرِيَّةً لَفْظًا. لَكِنَّهَا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى. نَعَمْ، مَنْ اشْتَرَطَ فِي عَطْفِ الْجُمَلِ اتِّفَاقَهُمَا فِي الِاسْمِيَّةِ أَوْ الْفِعْلِيَّةِ، حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتَا امْتَنَعَ، لَمْ يَحْسُنْ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ مِنْهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: {وَأُولَئِكَ هُمْ} جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤] جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ، بَلْ " الْوَاوُ " هُنَا لِلِاسْتِئْنَافِ أَوْ الِابْتِدَاءِ، وَإِذَا كَانَ كَلَامًا مُبْتَدَأً مُنْقَطِعًا عَمَّا قَبْلَهُ لَمْ يَنْصَرِفْ الِاسْتِثْنَاءُ إلَيْهِ.
السَّادِسُ: أَنْ يُمْكِنَ عَوْدُهُ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَى انْفِرَادِهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَادَ إلَى مَا أَمْكَنَ، أَوْ اخْتَصَّ بِالْأَخِيرَةِ. قَالَهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ، وَابْنُ فُورَكٍ، وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي " شَرْحِ الْكِفَايَةِ " وَإِلْكِيَا الطَّبَرِيِّ فِي " التَّلْوِيحِ ".
قَالَ الْقَفَّالُ: وَهَذَا كَآيَةِ الْجَلْدِ، فَلَا يُمْكِنُ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا إلَى الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْجَلْدُ بِالتَّوْبَةِ، وَإِنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَزَالَتْ عَنْهُ سِمَةُ الْفِسْقِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فَالتَّوْبَةُ لَا تَرْفَعُهُ إنَّمَا تَرْفَعُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى.
وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ " قَاطِعِ الطَّرِيقِ " عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ بِسُقُوطِ الْجَلْدِ بِالتَّوْبَةِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَحَكَاهُ النَّحَّاسُ فِي " مَعَانِي الْقُرْآنِ " عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا. فَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ لَهُ فِي هَذِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute