الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ قَوْلَانِ. ثُمَّ أَكْثَرُهُمْ يُمَثِّلُونَ الْآيَةَ بِهَذَا الْأَصْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: عَلَى تَقْدِيرِ نَظْمِ الِاخْتِصَاصِ بِالْأَخِيرَةِ: إنَّ الْأَخِيرَةَ هِيَ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ الْمَحْكُومُ بِهِ، وَأَمَّا سِمَةُ الْفِسْقِ فَهِيَ عِلَّةُ هَذَا الْحُكْمِ، فَالِاسْتِثْنَاءُ إذَا تَعَقَّبَ حُكْمًا وَتَعْلِيلًا؛ فَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْكُلِّ، أَوْ إلَى الْحُكْمِ دُونَ التَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وَلَا سَبِيلَ إلَى رُجُوعِهِ إلَى التَّعْلِيلِ فَقَطْ.
قَالَ الْفُقَهَاءُ: وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢] فَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إلَى الْأَخِيرَةِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ حَقُّ آدَمِيٍّ، فَيَسْقُطُ بِالْعَفْوِ، وَالرَّقَبَةُ حَقُّ اللَّهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ مِنْ الْآدَمِيِّ. وَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَعْلِيقِهِ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] يَعُودُ عَلَى الَّذِي يَلِيهِ، وَهُوَ الْجُنُبُ، لَا السَّكْرَانُ؛ فَإِنَّ السَّكْرَانَ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، لِمَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ تَلْوِيثِهِ إيَّاهُ.
وَخَرَجَ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَطَلْقَةً إلَّا طَلْقَةً، فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالشَّيْخُ فِي " الْمُهَذَّبِ "، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: لِأَنَّهَا تَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى مَا يَلِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَيَسْقُطُ وَيَبْقَى الطَّلْقَتَانِ. وَلَا يُظَنُّ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ، لِأَنَّ شَرْطَ الرُّجُوعِ إلَى الْكُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ، هُوَ مَفْقُودٌ هَاهُنَا. وَلَوْ قَالَ: لَهُ دِرْهَمَانِ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا، لَزِمَ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوص، لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى دِرْهَمًا مِنْ دِرْهَمٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ بَابُ الْإِقْرَارِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ صَاحِبُ " الْوَافِي " فِي " شَرْحِ الْمُهَذَّبِ "، فَقَالَ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْفُرُوعِ وَمَذْهَبُهُ، فِي الْأُصُولِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعُودُ إلَى الْجَمِيعِ، وَلَا أَعْلَمُ الْفَرْقَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute