إلَّا لِعَكْسِ مَا يُؤْتَى بِالْغَايَةِ فِي الْقِسْمِ قَبْلَهُ، فَإِنَّ تِلْكَ يُؤْتَى بِهَا لِتَخْصِيصِ الْعُمُومِ أَوْ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ؛ وَهَذِهِ يُؤْتَى بِهَا لِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ وَتَأَكُّدِهِ وَإِعْلَامِ أَنَّهُ لَا خُصُوصَ فِيهِ، وَأَنَّ الْغَايَةَ فِيهِ ذَاكِرَةٌ بِحَالِ قَصْدٍ مِنْهُ أَنْ يَتَعَقَّبَ الْحَالَ الْأُولَى بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُهَا شَيْءٌ.
وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ، عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» . فَحَالَةُ الْبُلُوغِ وَالِاسْتِيقَاظِ وَالْإِفَاقَةِ تُضَادُّ حَالَاتِ الصِّبَا وَالنَّوْمِ وَالْجُنُونِ، وَقُصِدَ بِالْغَايَةِ هُنَا اسْتِيعَابُ رَفْعِ الْقَلَمِ لِتِلْكَ الْأَزْمِنَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَدَعْ وَلَا آخِرَ الْأَزْمِنَةِ الْمُلَاصِقَةِ لِلْبُلُوغِ وَالِاسْتِيقَاظِ وَالْإِفَاقَةِ، وَهَذَا تَحْقِيقٌ لِلْعُمُومِ.
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: ٥] قُصِدَ بِهِ تَحْقِيقُ أَنَّ الْحَالَةَ الْمُلَاصِقَةَ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِمَّا شَمِلَهُ " سَلَامٌ " بِمَا قَبْلَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] فَإِنَّ حَالَةَ الطُّهْرِ لَا يَشْمَلُهَا اسْمُ الْحَيْضِ.
وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: غَايَةٌ شَمِلَهَا الْعُمُومُ، أَتَتْ أَوْ لَمْ تَأْتِ، فَهَذِهِ أَيْضًا لَا يُؤْتَى بِهَا إلَّا لِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ، كَقَوْلِك: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ مِنْ فَاتِحَتِهِ إلَى خَاتِمَتِهِ. الْمُرَادُ تَحْقِيقُ قِرَاءَتِك لِلْقُرْآنِ كُلِّهِ، بِحَيْثُ لَمْ تَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ قَطَعْت أَصَابِعَهُ مِنْ الْخِنْصَرِ إلَى الْبِنْصِرِ، الْمُرَادُ تَحْقِيقُ الْعُمُومِ وَاسْتِغْرَاقُهُ لَا تَخْصِيصُهُ. انْتَهَى.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَشْمَلُهُ الْعُمُومُ لَوْ لَمْ يَأْتِ هُوَ مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ، وَوَرَاءَهُ صُورَتَانِ: مَا لَمْ يَشْمَلْهُ أَلْبَتَّةَ، وَمَا يَشْمَلُهُ وَإِنْ أَتَتْ. وَهَاتَانِ لَا تَكُونُ الْغَايَةُ فِيهِمَا لِلتَّخْصِيصِ
هَذَا كُلُّهُ فِي حُكْمِ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ نَفْسِهَا، هَلْ يَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا، كَقَوْلِك: أَكَلْت حَتَّى قُمْتُ؟ هَلْ يَكُونُ الْقِيَامُ مَحَلًّا لِلْأَكْلِ؟ فِيهِ مَذَاهِبُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute