للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَئِمَّةُ الْكَلَامَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ سَهُلَ تَعْدِيَتُهُ إلَى بَقِيَّةِ أَقْسَامِ الْكَلَامِ. اهـ. وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ، فَقَالَ: فَمَا كَانَ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، كَانَ أَحَدُهُمَا مَبْنِيًّا عَلَى الْآخَرِ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ» ، مَعَ قَوْلِهِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» .

ثُمَّ قَالَ: وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الشَّرِيعَةِ وَاجِبٌ عَلَى الثَّانِي فَمَا كَانَ مُكَرَّرًا مِنْهُ كَانَ لِلتَّأْكِيدِ، وَمَا كَانَ مُفْرَدًا كَانَ مُسْتَعْمَلًا عَلَى التَّرْتِيبِ. فَإِذَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ» ، وَرُوِيَ عَنْهُ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، فَكَانَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ الْمُطْلَقُ دَاخِلًا فِي الثَّانِي، وَحُمِلَ عَلَى التَّكْرَارِ، وَاسْتُعْمِلَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْوَصْفِ. اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ: لَا يُتَصَوَّرُ تَوَارُدُ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فِي جَانِبِ النَّفْيِ وَلَا النَّهْيِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمِثَالِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ إفْرَادِ بَعْضِ مَدْلُولِ الْعَامِّ بِحُكْمٍ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ خِلَافِ أَبِي ثَوْرٍ، فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ هَاهُنَا. وَقَدْ خَرَّجَهُ الْهِنْدِيُّ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ حُجَّةٌ أَمْ لَا؟ فَمَنْ أَنْكَرَهُ لَمْ يُخَصِّصْ، وَمَنْ قَالَ بِهِ، خَصَّصَ النَّهْيَ الْعَامَّ بِهِ. وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَشَرَطَهُ أَيْضًا فِي حَمْلِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَمَثَّلَهُ بِحَدِيثِ: «لَا يَمَسَّنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ» ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: (وَهُوَ يَبُولُ) فَالْأُولَى مُطْلَقَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مُقَيَّدَةٌ، لَكِنَّ فِي تَقْيِيدِهِ بِحَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>