لِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّاةِ فِيهَا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى، فَيَصِحُّ الْإِبْدَالُ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ النَّصِّ وَبُطْلَانِهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ قِيلَ إنَّ الشَّاةَ لَا تُجْزِئُ، وَلَمْ يَقُلْهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّ الْقِيمَةَ نَزَلَتْ مَنْزِلَةَ الشَّاةِ إذَا أُخْرِجَتْ وَهُوَ تَوْسِيعٌ لِلْمَخْرَجِ، لَا إسْقَاطٌ. وَإِنَّمَا النِّزَاعُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ مَقْصُودَ الشَّرْعِ سَدُّ الْخَلَّةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: لَا يَبْعُدُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ إعْطَاءَ الْفَقِيرِ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْغَنِيِّ، لِيَنْقَطِعَ تَشَوُّفُ الْفَقِيرِ إلَى مَا فِي يَدِ الْغَنِيِّ. وَأَيْضًا فَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي إيجَابِ تَعَيُّنِهَا، وَتَجْوِيزُ الْإِبْدَالِ مُحْوِجٌ إلَى الْإِضْمَارِ وَإِيجَابِ شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ الْمَذْكُورِ خِلَافَ الْأَصْلِ.
وَمِنْهَا: حَمْلُهُمْ حَدِيثَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» عَلَى صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ. وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ مِنْ أَدَلِّ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ سِيَّمَا مَا وَرَدَ ابْتِدَاءً لِلتَّأْسِيسِ. فَحَمْلُهُ عَلَى النَّادِرِ مُخْرِجٌ لِلَّفْظِ عَنْ الْفَصَاحَةِ، وَتَأْوِيلُ نَفْيِ الْكَمَالِ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ؛ وَحَمَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى نِيَّةِ صَوْمِ الْغَدِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَكَانَ يَلْهَجُ بِهِ. وَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ سِيَاقَهُ النَّهْيَ عَنْ تَأْخِيرِ النِّيَّةِ عَنْ اللَّيْلِ، وَالْحَثَّ عَلَى تَقْدِيمِهَا عَلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَصُومُ فِيهِ، وَهَذَا كَالْفَحْوَى لَهُ. وَهُوَ مُضَادٌّ لِمَا ذَكَرُوهُ، وَلِأَنَّ حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى الْمُعْتَادِ أَوْلَى، وَتَقْدِيمُ النِّيَّةِ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَحَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ أَقْرَبُ مِمَّا سَبَقَ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِي الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ، فَلَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ لِنَفْيِ الْكَمَالِ، وَفِيهِ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ، لَزِمَ الِاسْتِعْمَالُ لِمَفْهُومَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
وَمِنْهَا: حَمْلُهُمْ قَوْله تَعَالَى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute