ثُمَّ قَالَ: وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ بَعْضِ الْمُنْزَلَاتِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، كَمَا لَوْ أَمَرَ بِقَطْعِ السَّارِقِ، فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْحَدِّ الْمَقْطُوعِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ سَارِقٌ يَحْتَاجُ إلَى قَطْعِهِ، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ مِنْ الشَّافِعِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَحْكِيَ عَنْ الشَّافِعِيُّ نَصًّا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ، وَلَا يُخْبِرُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْبَيَانَ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بَلْ قَدْ حَكَى عَنْهُ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ فِي مَسَائِلَ، وَلَا إذَا بَقِيَ تَأْخِيرٌ، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّافِعِيِّ، فَيُسْتَدَلُّ عَلَى قَوْلِهِ: أَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِمَا يُنْتَقَضُ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا لِأَصْلٍ لَهُ، وَلَا تَصِحُّ حِكَايَتُهُ عَنْهُ، فَيُضَافُ إلَيْهِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَلِبَّاءِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَاطِبَنَا بِخِطَابٍ عَامٍّ، لَيْسَ فِي ظَاهِرِهِ مَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ وَلَا التَّرَاخِيَ وَلَا الْبَعْضَ، وَيُرِيدُ التَّرَاخِيَ مِنْ الْوَقْتِ، أَوْ بَعْضَ مَا أَظْهَرَ اسْمَهُ وَيُعَرِّيهِ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ بِهِ عَلَى مُرَادِهِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّيْرَفِيَّ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ الصِّيغَةَ الْعَامَّةَ إذَا وَرَدَتْ يَجِبُ اعْتِقَادُ عُمُومِهَا وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ رُجُوعِهِ عَنْ مَنْعِ التَّأْخِيرِ فِيمَا نَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ عَنْهُ رُجُوعُهُ عَنْ وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ ضَرُورَةً، وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَيْسَ لَهُ نَصٌّ فِي ذَلِكَ يُنَازِعُهُ فِيهِ قَوْلُ الشَّاشِيِّ فِي كِتَابِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَابِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا أَعْطَى السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: ٤١] فَلَمَّا أَعْطَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَمَنَعَ غَيْرَهُمْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بَعْضُهُمْ دُونِ بَعْضٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute